إنّكم تقولون : إنّ فلانا ولدي ، وأنتم تعلمون علم اليقين أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ الأمواج الصوتية فقط هي التي تخرج من أفواهكم ولا تنبع مطلقا من إعتقاد قلبي ، وهذا كلام باطل ليس إلّا (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ).
إنّ «قول الحقّ» يطلق على القول الذي ينطبق على الواقع الموضوعي تماما ، أو أن يكون من الأمور الاعتبارية التي تنسجم مع مصالح كلّ أطراف القضيّة ، ونعلم أنّ مسألة «الظهار» في الجاهلية ، أو «التبنّي» الذي كان يستحق حقوق الأبناء الآخرين إلى حدّ كبير ـ لم يكونا من الموضوعات العينية ، ولا من الاعتباريات الحافظة لمصلحة عامّة الناس.
ثمّ يضيف القرآن مؤكّدا وموضّحا الخطّ الصحيح والمنطقي للإسلام : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ).
إنّ التعبير بـ (أقسط) لا يعني أنّهم إن دعوهم بأسماء المتبنّين لهم فإنّه عدل ، وإن دعوهم بأسماء آبائهم الواقعيين فإنّه أعدل ، بل ـ وكما قلنا سابقا مرارا ـ إنّ صيغة (أفعل التفضيل) تستعمل في بعض الموارد ولا تدلّ على الوصف المقابل لصفة ما ، فمثلا نقول : من الأفضل أن يحتاط الإنسان ولا يلقي بنفسه في الخطر ، فلا يعني هذا أنّ إلقاء النفس في الخطر والتهلكة حسن ، إلّا أنّ الاحتياط أفضل منه ، بل إنّ المراد المقارنة بين الحسن والقبح.
وتقول الآية لرفع الأعذار والحجج : (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) أي إنّ عدم معرفة آبائهم لا يكون دليلا على أن تضعوا اسم شخص آخر كأب لهذا الابن ، بل يمكنكم أن تخاطبوهم كإخوانكم في الدين أو أصدقائكم ومواليكم.
(الموالي) جمع «مولى» ، وقد ذكر المفسّرون له معاني عديدة ، فالبعض فسّره هنا بمعنى الصديق والصاحب ، والبعض الآخر بمعنى الغلام المعتق والمحرّر ، لأنّ بعض الأدعياء كانوا عبيدا يشترون ثمّ يتحرّرون ، ولمّا كان أصحابهم قد اهتّموا