يمكن أن يصرّح بالطلاق بتعبير صحيح بعيد عن كلّ ذلك القبح؟
وقال بعض المفسّرين : إنّ «الظهار» في الجاهلية لم يكن يؤدّي إلى انفصال الرجل عن المرأة ، بل إنّه كان يجعل المرأة كالمعلّقة لا يعرف حالها ومصيرها ، وإذا كانت المسألة كذلك ، فإنّ جناية هذا العمل وقبحه ستكون أوضح ، لأنّ كلمة لا معنى لها كانت تحرّم على الرجل علاقته الزوجية مع زوجته من دون أن تكون المرأة مطلّقة (١).
ثمّ تطرّقت الآية إلى ثالث خرافة جاهلية ، فقالت : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ).
وتوضيح ذلك : أنّه كان من المتعارف في زمن الجاهلية أنّهم كانوا ينتخبون بعض الأطفال كأولاد لهم ، ويسمّونهم أولادهم ، وبعد هذه التسمية يعطونه كلّ الحقوق التي يستحقّها الولد من الأب ، فيرث الولد من تبنّاه ، كما يرث المتبنّي الولد ، ويجري عليهما تحريم امرأة الأب أو زوجة الابن.
وقد نفى الإسلام هذه العادات غير المنطقية والخرافية أشدّ النفي ، بل ـ وكما سنرى ـ أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله أقدم ـ لمحو هذه السنّة المغلوطة ـ على الزواج من زوجة ولده المتبنّي «زيد بن حارثة» بعد أن طلّقها زيد ، ليتّضح من خلال هذه السنّة النبوية أنّ هذه الألفاظ الجوفاء لا يمكن أن تغيّر الحقائق والواقع ، لأنّ علاقة البنوّة والابوّة علاقة طبيعية لا تحصل أبدا من خلال الألفاظ والاتّفاقيات والشعارات.
ومع أنّنا سنقول فيما بعد : أنّ زواج النبي بزوجة زيد المطلّقة قد أثار ضجّة عظيمة بين أعداء الإسلام ، وأصبح حربة بيدهم للإعلام المضادّ السيء ، إلّا أنّ هذا العمل كان يستحقّ تحمّل كلّ ذلك الصخب الإعلامي لتحطيم هذه السنّة الجاهلية ، ولذلك يقول القرآن الكريم بعد هذه الجملة : (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ).
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ، المجلّد ٦ ، صفحة ٥٣٤ ، ذيل الآية مورد البحث.