أفعالهم المتناقضة ، فهو ناشئ من نفاقهم وسوء سريرتهم حيث يريدون أن يسحقوا بهذا الكلام قانون الخلقة.
صحيح أنّ أبعاد حياة الإنسان مختلفة ، ولكن يجب أن يحكمها خطّ واحد ، وتسير ضمن منهاج واحد.
ثمّ يتطرّق القرآن إلى خرافة اخرى من خرافات الجاهلية ، وهي خرافة «الظهار» ، حيث أنّ المشركين كانوا إذا غضبوا على نسائهم ، وأرادوا أن يبدوا تنفّرهم وعدم ارتياحهم ، قالوا للزوجة : أنت عليّ كظهر أمّي فيعتبرها بمثابة أمّه ، وكان يعدّ هذا الكلام بمنزلة الطلاق!
يقول القرآن الكريم في تتمّة هذه الآية : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) فلم يمض الإسلام هذا القانون الجاهلي ، ولم يصادق عليه ، بل جعل عقوبة لمن يتعاطاه ، وهي : أنّ من نطق بهذا الكلام فلا يحقّ له أن يقرب زوجته حتّى يدفع الكفّارة ، وإذا لم يدفعها ولم يأت زوجته فإنّ لها الحقّ في أن تستعين بحاكم الشرع ليجبره على أحد أمرين : إمّا أن يطلّقها وفقا لأحكام الإسلام ويفارقها ، أو أن يكفّر ويستمرّ في حياته الزوجية كالسابق (١).
أي منطق هذا الذي تصبح فيه زوجة الإنسان بمنزلة أمّه بمجرّد أن يقول لها : أنت عليّ كظهر أمّي؟! إنّ ارتباط وعلاقة الامّ والولد علاقة طبيعية لا تتحقّق بمجرّد الكلام مطلقا ، ولذلك تقول الآية ٢ ـ سورة المجادلة بصراحة : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً).
وإذا كان هدف هؤلاء من إطلاق هذه الكلمات هو الإفتراق والانفصال عن المرأة ـ (وهكذا كان في عصر الجاهلية ، حيث كانوا يقولون هذه الكلمات بدل لفظ الطلاق) ـ فإنّ الانفصال عن المرأة لا يحتاج إلى مثل هذا الكلام القبيح السيّء. ألا
__________________
(١) سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ توضيح أكثر حول المسائل المرتبطة بالظهار في ذيل الآيات المناسبة في سورة المجادلة.