وبعد أن أفشى الله سبحانه نيّة المنافقين وبيّن أنّ مرادهم لم يكن حفظ بيوتهم ، بل الفرار من ميدان الحرب ، يجيبهم بأمرين :
الأوّل : أنّه يقول للنّبي صلىاللهعليهوآله : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
فافرضوا أنّكم استطعتم الفرار ، فلا يعدو الأمر حالين : إمّا أن يكون أجلكم الحتميّ وموتكم قد حان ، فأينما تكونوا يأخذ الموت بتلابيبكم ، حتّى وإن كنتم في بيوتكم وبين زوجاتكم وأولادكم.
وإن لم يكن أجلكم قد حان فستعمّرون في هذه الدنيا أيّاما قليلة اخرى تكون مقترنة بالذلّ والهوان ، وستصبحون تحت رحمة الأعداء وفي قبضتهم ، وبعدها ستلقون العذاب الإلهي.
إنّ هذا البيان يشبه ما ورد في غزوة أحد ، حيث أشار القرآن إلى فئة اخرى من المنافقين المثبّطين للعزائم ، والمفرّقين لوحدة الصفّ : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ). (١)
والثّاني : ألم تعلموا أنّ كلّ مصائركم بيد الله ، ولن تقدروا أن تفرّوا من حدود حكومة الله وقدرته ومشيئته : (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
بناء على هذا ، فإنّكم إذا علمتم أنّ كلّ مقدّراتكم بيده سبحانه ، فأطيعوا أمره في الجهاد الذي هو أساس العزّة والكرامة والشموخ في الدنيا وعند الله ، وحتّى إذا تقرّر أن تنالوا وسام الشهادة فعليكم أن تستقبلوا ذلك برحابة صدر.
* * *
__________________
(١) آل عمران ـ ١٥٤.