الشرك والكفر ، كما جاء في آيات القرآن الاخرى ، كالآية (١٩٣) من سورة البقرة : غير أنّ بعض المفسرين احتملوا أن يكون المراد من «الفتنة» هنا : الحرب ضدّ المسلمين ، بحيث إنّها لو عرضت على هؤلاء المنافقين لأجابوا إليها بسرعة ، ويعينوا أصحاب الفتنة! إلّا أنّ هذا التّفسير لا يتلاءم مع ظاهر جملة : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) وربّما اختار أكثر المفسّرين المعنى الأوّل لهذا السبب.
ثمّ يستدعي القرآن الكريم فئة المنافقين إلى المحاكمة ، فيقول : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) وعليه فإنّهم مسئولون أمام تعهّدهم.
وقال البعض : أنّ المراد من هذا العهد والميثاق هو ذلك العهد الذي عاهد «بنو حارثة» عليه الله ورسوله يوم احد حينما قرّروا الرجوع عن ميدان القتال ثمّ ندموا بعد ذلك ، فقطعوا العهد على أنفسهم أن لا يرتكبوا مثل هذه الأمور ، إلّا أنّهم فكّروا مرّة ثانية في معركة الأحزاب في نقض عهدهم وميثاقهم (١).
ويعتقد البعض أنّه إشارة إلى العهد الذي عاهدوا به رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزوة بدر ، أو في العقبة قبل هجرة النّبي (٢).
ولكن يبدو أنّ للآية أعلاه مفهوما واسعا يشمل هذه العهود والمواثيق ، وكلّ عهودهم الاخرى.
إنّ كلّ من يؤمن ويبايع النّبي صلىاللهعليهوآله يعاهده على أن يدافع عن الإسلام والقرآن ولو كلّفه ذلك حياته.
والتأكيد على العهد والميثاق هنا من أجل أنّه حتّى عرب الجاهلية كانوا يحترمون مسألة العهد ، فكيف يمكن أن ينقض إنسان عهده ويضعه تحت قدميه بعد ادّعائه الإسلام؟
__________________
(١) تفسير القرطبي ، وتفسير في ظلال القرآن ، ذيل الآيات مورد البحث.
(٢) نقل هذا القول الآلوسي في روح المعاني.