أنّهم بخلاء : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) (١) لا في بذل الأرواح في ساحة الحرب ، بل هم بخلاء حتّى في المعونات الماديّة لتهيئة مستلزمات الحرب ، وفي المعونة البدنية في حفر الخندق ، بل ويبخلون حتّى في المساعدة الفكرية ، بخلا يقترن بالحرص المتزايد يوميا!
وبعد تبيان بخل هؤلاء وامتناعهم عن أيّ نوع من المساعدة والإيثار ، تتطرّق الآية إلى بيان صفات اخرى لهم ، والتي لها صفة العموم في كلّ المنافقين ، وفي كلّ العصور والقرون ، فتقول : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
فلأنّهم لما لم يذوقوا طعم الإيمان الحقيقي ، ولم يستندوا إلى عماد قويّ في الحياة ، فإنّهم يفقدون السيطرة على أنفسهم تماما عند ما يواجهون حادثا صعبا ومأزقا حرجا ، وكأنّهم يواجهون الموت.
ثمّ تضيف الآية : (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) فيأتون إليكم كأنّهم هم الفاتحون الأصليون والمتحمّلون أعباء الحرب ، فيعربدون ويطلبون سهمهم من الغنائم ، وهم كانوا أبخل من الجميع في المشاركة في الحرب والثبات فيها.
«سلقوكم» من مادّة (سلق) ، وهي في الأصل بمعنى فتح الشيء بعصبية وغضب ، سواء كان هذا الفتح باليد أو اللسان ، وهذا التعبير يستعمل في شأن من يطلب الشيء بالزجر وأسلوب الأمر. و «الألسنة الحداد» تعني الألسنة الجارحة المؤذية ، وهي هنا كناية عن الخشونة في الكلام.
وتشير الآية في النهاية إلى آخر صفة لهؤلاء ، والتي هي في الواقع أساس كلّ شقائهم وتعاستهم ، فقالت : (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) لأنّها لم تكن
__________________
(١) «أشحّة» جمع شحيح ، من مادّة (الشحّ) ، أي البخل المقترن بالحرص ، ومحلّ الكلمة من الإعراب هنا برأي أكثر المفسّرين (حال) ، لكن ذلك لا ينافي أن تكون حالا في مقام بيان العلّة. تأمّلوا ذلك.