بعد تشخيص هذه الحقيقة؟
ومضافا إلى ذلك فإنّنا منه تعالى ، وكلّ ما لدينا منه ، ولا يمكن أن يكون لنا أمر وقرار إلّا التسليم لإرادته وأمره ، ولذلك ترى بين دفّتي القرآن آيات كثيرة تشير إلى هذه المسألة :
فمرّة تقول آية : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (١)
وتقول اخرى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (٢)
ويقول القرآن في موضع آخر : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ). (٣)
إنّ «الإسلام» أخذ من مادّة «التسليم» ، وهو يشير إلى هذه الحقيقة ، وبناء على هذا فإنّ كلّ إنسان يتمتّع بروح الإسلام بمقدار تسليمه لله سبحانه.
ينقسم الناس عدّة أقسام من هذه الناحية : فقسم يسلّمون لأمر الله في الموارد التي تنفعهم فقط ، وهؤلاء في الحقيقة مشركون انتحلوا اسم الإسلام ، وعملهم تجزئة لأحكام الله تعالى ، فهم مصداق (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فإيمانهم في الحقيقة إيمان بمصالحهم لا بالله تعالى.
وآخرون جعلوا إرادتهم تبعا لإرادة الله ، وإذا تعارضت منافعهم الزائلة مع أمر الله سبحانه ، فإنّهم يغضّون الطرف عنها ويسلّمون لأمر الله ، وهؤلاء هم المؤمنون والمسلمون الحقيقيون.
والقسم الثالث أسمى من هؤلاء ، فهم لا يريدون إلّا ما أراد الله ، وليس في
__________________
(١) النور ، ٥١.
(٢) النساء ، ٦٥.
(٣) النساء ، ١٢٥.