المجاور للأرض عند دوران الأرض حول نفسها إلى أقلّ حدّ ، ولو لم تكن هذه الجبال لكان سطح الأرض كالصحاري اليابسة ، وعرضة للأعاصير والزوابع المهلكة ، والعواصف الهوجاء المدمّرة ليل نهار (١).
وبعد ذكر نعمة استقرار السماء بأعمدة الجاذبية. واستقرار وثبات الأرض بواسطة الجبال ، تصل النوبة إلى خلق الكائنات الحيّة واستقرارها ، بحيث تستطيع أن تضع أقدامها في محيط هادئ مطمئن ، فتقول : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ).
إنّ التعبير بـ (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) إشارة إلى تنوّع الحياة في صور مختلفة ، ابتداء من الكائنات الحيّة المجهرية والتي ملأت جميع الأرجاء إلى الحيوانات العملاقة والمخوفة.
وكذلك الحيوانات المختلفة الألوان ، والمتفاوتة الأشكال التي تعيش في الماء والهواء من الطيور والزواحف ، والحشرات المختلفة وأمثالها ، والتي لكلّ منها عالمها الخاصّ تعكس الحياة في مئات الآلاف من المرايا.
إلّا أنّ من المعلوم أنّ هذه الحيوانات تحتاج إلى الماء والغذاء ، ولذلك فإنّ الجملة التالية أشارت إلى هذا الموضوع ، فقالت : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ).
وبهذا فإنّ الآية تبيّن أساس حياة كلّ الحيوانات ـ وخاصّة الإنسان ـ والذي يكوّنه الماء والنبات ، فالكرة الأرضية تعتبر سماطا واسعا ذا أغذية متنوّعة يمتدّ في جميع أنحائها ، ويصلح لكلّ نوع منها حسب خلقته ، ممّا يدلّ على عظمة الخالق جلّ وعلا.
وممّا يستحقّ الانتباه هو أنّه في بيان خلق الأقسام الثلاثة الاولى ذكرت الأفعال بصيغة الغائب ، وحين وصل الأمر إلى نزول المطر ونمو النباتات أتت
__________________
(١) لمزيد الاطلاع حول فوائد الجبال راجع ذيل الآية (٣) من سورة الرعد.