والمسألة التي ينبغي الانتباه إليها هنا هي أنّه ليس المراد من الحجاب في هذه الآية لباس النساء ، بل هو حكم يضاف إلى ما كان خاصّا بنساء النّبي ، وهو : أنّ الناس مكلّفون إذا أرادوا شيئا من نساء النّبي أن يأخذوه من وراء حجاب لظروف نساء النّبي الخاصّة ، ويجب عليهنّ أن لا يخرجن إلى الناس ويظهرن لهم في مثل هذه الموارد حتّى وإن كن محجّبات ، وهذا الحكم لم يرد طبعا في شأن النساء الاخريات ، بل يكفيهنّ أن يراعين الحجاب الإسلامي.
والشاهد على ذلك أنّ كلمة «الحجاب» ، وإن كانت تستعمل في المحادثات اليومية بمعنى حجاب المرأة ، إلّا أنّها ليس لها مثل هذا المعنى لا في كتب اللغة ، ولا في تعبيرات فقهائنا.
«الحجاب» في اللغة هو الشيء الذي يحول بين شيئين (١) ، ولذلك اطلق على الغشاء الموجود بين الأمعاء والقلب والرئة اسم «الحجاب الحاجز».
وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمة بمعنى الحائل أو الساتر في عدّة مواضع ، كالآية (٤٥) من سورة الإسراء حيث تقول : (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً).
ونقرأ في الآية (٣٢) من سورة ص : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ).
وجاء في الآية (٥١) من سورة الشورى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ).
أمّا في كلمات الفقهاء فقد استعملت كلمة «الستر» فيما يتعلّق بلباس النساء منذ قديم الأيّام وإلى يومنا هذا ، وورد أيضا في الرّوايات الإسلامية هذا التعبير أو ما يشبهه ، واستعمال كلمة «الحجاب» في شأن لباس المرأة اصطلاح ظهر في عصرنا على الأكثر ، وإذا وجد في التواريخ والرّوايات فقليل جدّا.
__________________
(١) لسان العرب مادّة حجب.