نقتنع بهذا الخصوص بالمقدار الذي أشار إليه القرآن الكريم.
«غدو» : بمعنى وقت الصبح من النهار ، يقابله «الرواح» بمعنى وقت الغروب من النهار ، ويطلق على الحيوانات عند عودتها إلى مساكنها في آخر النهار للاستراحة ، ويبدو من القرائن في الآية مورد البحث أنّ «الغدو» هنا بمعنى النصف الأوّل من النهار ، و «الرواح» النصف الثّاني منه ، لذا يحتمل في معنى الآية أنّ سليمان عليهالسلام يقطع في وقت مقداره من الصبح إلى الظهر ـ بمركبه ـ ما يعادل المسافة التي يقطعها المسافرون في ذلك الزمان بشهر كامل ، وكذا نصف النهار الثاني.
بعدئذ تنتقل الآية إلى الموهبة الثّانية التي خصّ الله بها سليمان عليهالسلام فتقول الآية الكريمة : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ).
«أسلنا» من مادّة «سيلان» بمعنى الجريان ، و «القطر» بمعنى النحاس ، والمقصود أنّنا أذبنا له هذا الفلز وجعلناه كعين الماء ، وذهب البعض إلى أنّ «القطر» يعني أنواع الفلزات أو «الرصاص» ، وعلى هذا يكون قد ألين الحديد للأب ، وأذيبت الفلزات بأجمعها للابن ، ولكن المشهور هو المعنى الأوّل.
كيف يكون النحاس أو الفلزات الاخرى كعين الماء بين يدي سليمان عليهالسلام؟ هل أنّ الله علّم هذا النّبي كيفية إذابة هذه الفلزات بكميات كبيرة بطريقة الإعجاز؟ أو جعل عينا من هذا الفلز المائع تحت تصرفه ، تشبه عيون البراكين وقت فعاليتها ، حيث تنحدر منها على أطراف الجبل بصورة إعجازية ، أو بأي شكل آخر؟ ليس واضحا لدينا وما نعلمه هو أنّ ذلك أيضا كان من الألطاف الإلهية على هذا النّبي العظيم.
أخيرا تنتقل الآية إلى بيان الموهبة الإلهية الثالثة لسليمان عليهالسلام وهي تسخير مجموعة كبيرة من الجنّ لخدمته فتقول الآية : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ).
«الجنّ» : وكما هو معلوم من اسمه ، ذلك المخلوق المستور عن الحسّ البشري ،