يستحقّون.
كذلك يمكن أن يكون التعبير بـ (قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) إشارة إلى تعظيم مقام هذه المجموعة النموذجية ، أو بمعنى حثّ المستمع ليكون من أفراد تلك الزمرة ويزيد جمع الشاكرين.
آخر آية من هذه الآيات ، وهي آخر حديث عن النّبي سليمان عليهالسلام ، يخبرنا الله سبحانه وتعالى فيها بطريقة موت ذلك النّبي العجيبة والداعية للاعتبار ، فيوضّح تلك الحقيقة الساطعة ، وهي كيف أنّ نبيّا بتلك العظمة وحاكما بكلّ تلك القدرة والابّهة ، لم يستطع حين أخذ الموت بتلابيبه من أن يستلقي على سرير مريح ، وانتزعت روحه من بدنه بتلك السهولة والسرعة. يقول تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) (١).
يستفاد من تعبير الآية ومن الروايات المتعدّدة الواردة في تفسيرها ، أنّ سليمان كان واقفا متّكئا على عصاه حين فاجأه الموت واستلّ روحه من بدنه ، وبقي جثمان سليمان مدّة على حالته ، حتّى أكلت الأرضة ـ التي عبّر عنها القرآن بـ «دابّة الأرض» ـ عصاه ، فاختلّ توازنه وهوى على الأرض ، وبذا علم بموته.
لذا تضيف الآية بعد ذلك (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).
جملة «تبيّنت» من مادّة «بيّن» عادة بمعنى (اتّضح) (وهو فعل لازم). وأحيانا يأتي أيضا بمعنى «العلم والاطلاع» (فعل متعد). وهنا يتناسب الحال مع المعنى الثاني. بمعنى أنّ الجنّ لم يعلموا بموت سليمان إلى ذلك الوقت ، ثمّ علموا وفهموا أنّهم لو كانوا يعلمون الغيب لما بقوا حتّى ذلك الحين في تعب وآلام الأعمال
__________________
(١) «منسأته» : من مادّة (نسأ) وهو التأخير في الوقت ، والمنسأة : عصا ينسأ بها الشيء ، أي يؤخّر. قال بعض المفسّرين : إنّ هذه اللفظة من كلمات أهل اليمن ، وبما أنّ سليمان عليهالسلام حكم تلك المنطقة فقد استخدمها القرآن حين حديثه عن ذلك النّبي. راجع مفردات الراغب وتفسير القرطبي وروح البيان.