غَفُورٌ) (١) (٢).
هذه الجملة القصيرة تصوّر مجموعة النعم المادية والمعنوية بأجمل تعابير ، فبلحاظ النعم المادية أرض طيّبة خالية من الأمراض المختلفة ، من السراق والظلمة ، من الآفات والبلايا ، من الجفاف والقحط ، من الخوف والوحشة ، وقيل خالية حتّى من الحشرات المؤذية.
هواء نقي ، ونسيم يبعث على السرور ، أرض معطاءة وأشجار وافرة الثمر.
وأمّا بلحاظ النعم المعنوية فمغفرة الله التي شملتهم ، والتغاضي عن تقصيرهم ، وصرف البلاء والعذاب عنهم وعن بلدتهم.
ولكن هؤلاء الجاحدين غير الشكورين. لم يقدّروا تلك النعمة حّق قدرها. ولم يخرجوا من بوتقة الامتحان بسلام ، سلكوا طريق الإعراض والكفران ، فقرّعهم الله أيّما تقريع!!
قال تعالى : (فَأَعْرَضُوا) استهانوا بنعمة الله ، توهّموا بأنّ العمران والمدنية والأمن أشياء عادية ، نسوا الله ، وأسكرتهم النعمة ، وتفاخر الأغنياء على الفقراء ، وظنّوا أنّهم يزاحمونهم في أرزاقهم ـ كما سيرد في الآيات اللاحقة ـ.
وهنا مسّهم سوط الجزاء ، يقول تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) فدمّر بيوتهم ومزارعهم وحوّلها إلى خرائب ..
«العرم» : من «العرامة» وهي شراسة وصعوبة في الخلق تظهر بالفعل ، ووصف «السيل» بالعرم إشارة إلى شدّته وقابليته على التدمير. وتعبير «سيل العرم» من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة.
وقيل : «العرم» الجرذان الصحراوية ، وهي التي سبّبت انهيار السدّ بنفوذها فيه
__________________
(١) «بلدة» : خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هذه بلدة طيّبة وهذا ربّ غفور.
(٢) يمكن أن يكون هذا الخطاب الإلهي لهؤلاء القوم على أحد احتمالين ، فإمّا أن يكون قد أبلغ ذلك بواسطة الأنبياء المبعوثين منهم ، كما قال به بعض المفسّرين ، أو أنّ هذه النعم كانت توصل إلى إدراكهم مثل هذا الخطاب.