السرّاق او الوحوش اهمّ منه في النهار الذي تسهل معه مهمّة الأمن.
ولكن هؤلاء جحدوا نعم الله العظيمة التي شملت كلّ مناحي حياتهم ـ كما هو الحال بالنسبة لغيرهم من الأقوام المتنعّمة ـ ولبسهم الغرور ، وأحاطت بهم الغفلة ونشوة النعيم وعدم لياقتهم له ، فأسلكتهم طريق الكفران وعدم الشكر ، وانحرفوا عن الصراط وتركوا أوامر الله خلف ظهورهم.
فمن جملة مطالبهم العجيبة من الله ، (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا).
أي طلبوا أن يجعل الله المسافات بين قراهم طويلة ، كي لا يستطيع الفقراء السفر جنبا إلى جنب مع الأغنياء ، ومقصودهم هو أن تكون بين القرى ـ كما أسلفنا ـ فواصل صحراوية شاسعة ، حتّى لا يستطيع الفقراء ومتوسّطو الحال الإقدام على السفر بلا زاد أو ماء أو مركّب ، وبذا يكون السفر أحد مفاخر الأغنياء وعلامة على القدرة والثروة ، ووجوب أن يظهر هذا الامتياز ويثبت لدى الجميع.
أو أنّهم ملّوا من الراحة والرفاه ، كما ملّ بنو إسرائيل من (المنّ والسلوى) (الغذاء السماوي) وطلبوا من الله البصل والثوم والعدس.
بعضهم احتمل أيضا أن يكون المقصود بعبارة (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) أنّهم أصبحوا كسالى إلى درجة لم يكونوا معها حاضرين للسفر لغرض رعي الحيوانات أو التجارة أو الزراعة ، ولذا طلبوا من الله أن يبقيهم في وطنهم دائما ويباعد بين السفرة والاخرى. ولكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل أفضل.
على كلّ حال فإنّهم بهذا العمل أوقعوا الظلم على أنفسهم (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ).
نعم ، فإن كانوا يظنّون أنّهم إنّما يظلمون غيرهم فقد اشتبهوا ، إذ أنّهم قد استلّوا خنجرا ومزّقوا به صدورهم ، ودخّان النار التي أسعروها أعمى عيونهم.
وياله من تعبير رائع ، ذلك الذي أوضح به القرآن الكريم مصيرهم المؤلم ، حيث يقول : إنّنا جازيناهم ودمّرنا بلادهم ومعيشتهم بحيث : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ).
نعم فلم يبق من تلك الحياة المرفّهة ، والتمدّن العريض المشرق ، إلّا أخبار على