على الأشياء بكفّه تارة ويدفعها عنه بكفّه تارة اخرى ، فلذا تستخدم هذه الكلمة للقبض أحيانا ، وللمنع اخرى.
وقد احتمل المفسّرون الاحتمالين هنا ، الأوّل بمعنى «الجمع» وفي هذه الحالة يكون مفهوم الآية «إنّنا لم نرسلك إلّا لجميع الناس». أي عالمية دعوة الرّسول صلىاللهعليهوآله. ويقوّي هذا المعنى روايات عديدة وردت في تفسير الآية من طرق الفريقين.
وعليه فمحتوى الآية شبيه بالآية (١) سورة الفرقان (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً). وكذلك الآية (١٩) من سورة الأنعام (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ).
جاء في حديث عن ابن عبّاس ينقله المفسّرون بمناسبة هذه الآية ، أنّ عمومية دعوة الرّسول صلىاللهعليهوآله ذكرت كواحدة من مفاخره العظيمة.
فعنه صلىاللهعليهوآله يقول : «أعطيت خمسا ولا أقول فخرا ، بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأحلّ لي المغنم ولا يحلّ لأحد قبلي ، ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة فادّخرتها لامّتي يوم القيامة» (١).
وإن كان لم يرد في الحديث أعلاه تصريح بتفسير الآية ، فثمّة أحاديث اخرى بهذا الخصوص ، إمّا أن تصرّح بأنّها في تفسير الآية ، أو يرد فيها تعبير «للناس كافّة» الذي ورد في نفس الآية (٢). وجميعها تدلّل على أنّ مقصود الآية أعلاه ، هو عالمية دعوة الرّسول صلىاللهعليهوآله.
وذكر للآية تفسير آخر مأخوذ من المعنى الثّاني لكلمة «كفّ» وهو (المنع) ، وطبقا لهذا التّفسير تكون «كافّة» صفة للرسول صلىاللهعليهوآله (٣) ويكون المقصود أنّ الله
__________________
(١) تفسير مجمع التبيان ، مجلّد ٨ ، ص ٣٩١.
(٢) انظر تفسير نور الثقلين ، مجلّد ٤ ، ص ٢٥٥ و٢٥٦.
(٣) أحيانا تلحق (التاء) اسم الفاعل لتكون صيغة مبالغة لا علامة للتأنيث كما في «رواية».