سبحانه وتعالى أرسل الرّسول صلىاللهعليهوآله كمانع ورادع وكافّ للناس عن الكفر والمعصية والذنوب ، ولكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل أقرب.
على كلّ حال ـ كما أنّ لكلّ الناس غريزة جلب النفع ودفع الضرر ـ فقد كان للرسل أيضا مقام «البشارة» و «الإنذار». لكي يوظّفوا هاتين الغريزتين ويحرّكوهما ، ولكن أكثر المغفّلين الجهّال ـ بدون الالتفات إلى مصيرهم ـ ينهضون للوقوف في وجههم ويتنكّرون تلك المواهب الإلهية العظيمة.
وبناء على ما أشارت إليه الآيات السابقة من أنّ الله سبحانه وتعالى يجمع الناس ويحكم بينهم تورد هذه الآية سؤال منكري المعاد كما يلي : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
لقد طرح هذا السؤال من قبل منكري المعاد على الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله أو الأنبياء الآخرين مرارا ، حينا لفهم وإدراك هذا المطلب ، وأغلب الأحيان للاستهزاء والسخرية من قبيل : أين هذه القيامة التي تؤكّدون على ذكرها مرارا وتكرارا ، لو كانت حقّا فقولوا متى ستأتي؟ إشارة منهم إلى أنّ الإنسان الصادق في إخباره يجب أن يعلم بجميع جزئيات الموضوع الذي يخبر عنه.
ولكن القرآن الكريم يمتنع دائما عن الإجابة الصريحة على هذا السؤال وتعيين زمان وقوع البعث ، ويؤكّد أنّ هذه الأمور هي من علم الله الخاصّ به سبحانه وتعالى ، وليس لأحد غيره الاطلاع عليها.
لذا فقد تكرّر في الآية التي بعدها ، هذا المعنى بعبارة اخرى ، يقول تعالى : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ).
إنّ إخفاء تأريخ قيام الساعة ـ حتّى على شخص الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ـ كما أسلفنا ـ لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد لعباده نوعا من حرية العمل مقترنة بحالة من التهيّؤ الدائم ، لأنّه لو كان تأريخ قيام القيامة معلوما فإنّ الجميع سيغطّون في الغفلة والغرور والجهل حينما يكون بعيدا عنهم ، أمّا حين اقترابه منهم فستكون أعمالهم