إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) (١).
ومرّة اخرى يستفاد من الآية أعلاه أنّ من أهمّ مصاديق «الظلم» هو «الشرك والكفر».
التعبير «عند ربّهم» إشارة إلى أنّهم حاضرون بين يدي مالكهم وربّهم ، وما أكثر وأشدّ خجلا من أن يكون الإنسان حاضرا بين يدي من كفر به ، في حين أنّ كلّ وجوده غارق بنعمه.
في حين أنّ «المستضعفين» الذين اتّبعوا بجهلهم «المستكبرين» وهم الذين سلكوا طريق الغرور والتسلّط على الآخرين ورسموا لهم منهجهم الشيطاني ، هناك : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).
إنّهم يريدون بذلك إلقاء مسئولية ذنوبهم على عاتق هؤلاء «المستكبرين» ، مع أنّهم لم يكونوا حاضرين للتعامل معهم بمثل هذه القاطعية في دار الدنيا ، لأنّ الضعف والخور والذلّة كانت حاكمة على وجودهم ، وقد فقدوا حريتهم ، أمّا هناك وبعد أن تبعثرت تلك المفاهيم الطبقية التي كانت سائدة في دار الدنيا ، وانكشفت نتائج أعمال الجميع ، فهم يقفون وجها لوجه مقابل هؤلاء ويتحدّثون بصراحة ويتلاومون معهم.
لكن «المستكبرين» لا يبقون على صمتهم بل (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ). كلّا ، فلسنا بمسؤولين ، فمع امتلاككم حرية الإرادة ، استسلمتم لأحاديثنا الباطلة ، وكفرتم وألحدتم متناسين أحاديث الأنبياء المنطقية ، (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ).
صحيح أنّ المستكبرين ارتكبوا ذنبا كبيرا بوسوستهم ، ولكن حديثهم الذي تذكره الآية الكريمة له حقيقة أيضا ، حيث أنّ المتملّقين لم يكن عليهم أن يصمّوا
__________________
(١) (يرجع) : تأتي كفعل لازم وكفعل متعدّي ، وقد وردت هنا بالحالة الثّانية لتعطي معنى العودة ، ومجيئها بعد «بعضهم إلى بعض» معناه في النتيجة بمعنى «مفاعلة».