صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١).
إنّ هاتين الآيتين في الحقيقة أمرتا بصفتين ، ونهتا عن صفتين :
فالنهي عن «التكبّر» و «العجب» ، فإنّ أحدهما يؤدّي إلى أن يتكبّر الإنسان على عباد الله ، والآخر يؤدّي إلى أن يظنّ الإنسان أنّه في مرتبة الكمال وأسمى من الآخرين ، وبالتالي سيغلق أبواب التكامل بوجهه ، وإن كان لا يقارن بينه وبين الآخرين.
وبالرغم من أنّ هاتين الصفتين مقترنتان غالبا ، ولهما أصل مشترك ، إلّا أنّهما قد تفترقان أحيانا.
أمّا الأمر بصفتين ، فهما رعاية الاعتدال في العمل والكلام ، لأنّ التأكيد على الاعتدال في المشي أو إطلاق الصوت هو من باب المثال في الحقيقة.
والحقّ أنّ الإنسان الذي يتّبع هذه النصائح الأربع موفّق وسعيد وناجح في الحياة ، ومحبوب بين الناس ، وعزيز عند الله.
وممّا يستحقّ الانتباه أنّ من الممكن أن نسمع أصواتا أزعج من أصوات الحمير في محيط حياتنا ، كصوت سحب بعض القطع الفلزّية إلى بعضها الآخر ، حيث يحسّ الإنسان عند سماعه بأنّ لحمه يتساقط ، إلّا أنّ هذه الأصوات لا تمتلك صفة عامّة ، إضافة إلى وجود فرق بين المزعج والقبيح من الأصوات ، والحقّ هو أنّ صوت الحمار أقبح من كلّ الأصوات العاديّة التي يسمعها الإنسان ، وبه شبّهت صرخات ونعرات المغرورين البله.
وليس القبح من جهة ارتفاع الصوت وطريقته فحسب ، بل من جهة كونه بلا سبب أحيانا ، لأنّ بعض المفسّرين يقولون : إنّ أصوات الحيوانات تعبّر غالبا عن حاجة ، إلّا أنّ هذا الحيوان يطلق صوته أحيانا بدون مبرّر أو داع ، وبدون أيّ
__________________
(١) «أنكر» أفعل التفضيل ، ومع أنّه لا يأتي عادة في مورد المفعول ، إلّا أنّ هذه الصيغة وردت بصورة نادرة في باب العيوب.