تفسير روح البيان ، ورد أنّه عند نزول الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لمشركي مكّة : «لا تؤذوا ذوي قرباي» وهم قبلوا بهذا الطلب ، ولكن عند ما نال الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله من أصنامهم ، قالوا : إنّ محمّدا لم ينصفنا ، فهو من جانب يدعونا لعدم التعرّض لذوي قرباه بالأذى ، ولكنّه من جانب آخر يمسّ أربابنا بالأذى ، وهنا نزلت الآية موضوع بحثنا (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ). فما أردته منكم بهذا الخصوص هو بنفعكم ، سواء آذيتموهم أو لم تؤذوهم.
ثمّ تختم الآية بالقول : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). فإن كنت أريد أجري من الله وحده فلأنّه وحده عالم بكلّ أعمالي ومطّلع على نواياي. علاوة على أنّه هو سبحانه وتعالى شاهد صدقي وحقّانية دعوتي ، لأنّه هو سبحانه سخّر لي كلّ هذه المعجزات والآيات البيّنات ، والحقّ أنّه سبحانه وتعالى نعم الشاهد ، فهو الذي قد أحاط بكلّ شيء علما وهو أفضل من يستطيع الأداء ، ولا يصدر عنه إلّا الحقّ وهو خير الشاهدين. وهو الله سبحانه وتعالى.
بالالتفات إلى ما قيل حول حقّانية دعوة الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، تضيف الآية التي بعدها قائلة أنّ القرآن واقع غير قابل للإنكار لأنّه ملقى من الله سبحانه وتعالى على قلب الرّسول صلىاللهعليهوآله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
كلمة «يقذف» من مادّة (قذف) وهو الرمي البعيد ، وثمّة تفسيرات متعدّدة لهذه الآية ، يمكن جمعها مع بعضها البعض.
أوّلا : المقصود بـ «يقذف بالحقّ» هو الكتب السماوية والوحي الإلهي على قلوب الأنبياء والمرسلين ، ولأنّه سبحانه وتعالى هو علّام الغيوب ، فهو يعلم بالقلوب المهيّأة ، فينتخبها ويقذف الوحي فيها حتّى ينفذ إلى أعماقها.
وعلى ذلك فالمعنى شبيه بما ورد في الحديث المعروف «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء».