انتخاب كلمة (سبع) للكثرة في لغة العرب ، ربّما كان بسبب أنّ السابقين كانوا يعتقدون أنّ عدد كواكب المنظومة الشمسية سبعة كواكب ـ وفي أنّ ما يرى اليوم بالعين المجرّدة من المنظومة الشمسية سبعة كواكب لا أكثر ـ ومع ملاحظة أنّ الأسبوع دورة زمانية كاملة تتكوّن من سبعة أيّام لا أكثر ، وأنّهم كانوا يقسّمون كلّ الكرة الأرضية إلى سبع مناطق ، وكانوا قد وضعوا لها اسم الأقاليم السبعة ، سيتّضح لماذا انتخب عدد السبعة كعدد كامل من بين الأعداد ، واستعمل لبيان الكثرة (١).
بعد ذكر علم الله اللامحدود ، تتحدّث الآية الاخرى عن قدرته اللامتناهية ، فتقول : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
قال بعض المفسّرين : أنّ جمعا من كفّار قريش كانوا يقولون من باب التعجّب والاستبعاد لمسألة المعاد : إنّ الله قد خلقنا بأشكال مختلفة ، وعلى مدى مراحل مختلفة ، فكنّا يوما نطفة ، وبعدها صرنا علقة ، وبعدها صرنا مضغة ، ثمّ أصبحنا تدريجيّا على هيئات وصور مختلفة ، فكيف يخلقنا الله جميعا خلقا جديدا في ساعة واحدة؟! فنزلت الآية مورد البحث فأجابتهم.
إنّ هؤلاء كانوا غافلين في الحقيقة عن مسألة مهمّة ، وهي أنّ هذه المفاهيم كالصعوبة والسهولة ، والصغير والكبير يمكن تصوّرها من قبل موجودات لها قدرة محدودة كقدرتنا ، إلّا أنّها أمام قدرة الله اللامتناهية تكون متساوية ، فلا يختلف خلق إنسان واحد عن خلق جميع البشر مطلقا ، وخلق موجود ما في لحظة واحدة أو على مدى سنين طوال بالنسبة إلى قدرته المطلقة.
وإذا كان تعجّب كفّار قريش من أنّه كيف يمكن فصل الأجساد عن بعضها وإرجاع كلّ منها إلى محلّه بعد أن كانت الطبائع مختلفة ، والإشكال متغايرة ، والشخصيات متنوّعة ، وذلك بعد أن تحوّل بدن الإنسان إلى تراب وتطايرت
__________________
(١) تحدّثنا حول (علم الله المطلق) في ذيل الآية (١٠٩) من سورة الكهف.