يشعّ من أعماق روحه وفطرته ، فيزيح عن قلبه حجب الغفلة ، ويقول له : هل يوجد أحد يستطيع إنقاذك؟
نعم ، إنّه الذي تطيع أوامره أمواج البحر .. أنّه خالق الماء والهواء والتراب.
هنا يحيط التوحيد الخالص بكلّ قلبه ويغمره ، ويعتقد بأنّ الدين والعبادة مختصّة به سبحانه.
ثمّ تضيف الآية إنّ الله سبحانه لمّا نجّاهم من الهلكة انقسم الناس قسمين : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (١). وهؤلاء وفوا بعهدهم ولم ينقضوه ، ولم ينسوا منّة الله عليهم في تلك اللحظات الحسّاسة.
أمّا القسم الثّاني فإنّهم نسوا كلّ ذلك ، واستولى جيش الشرك والكفر على معسكر قلوبهم.
واعتبر بعض المفسّرين الآية أعلاه إشارة إلى إسلام «عكرمة بن أبي جهل» ، إذ أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله عفا عن جميع الناس عند فتح مكّة غير أربعة نفر أحدهم عكرمة بن أبي جهل ، إذ أهدر دمهم ، وأمر بقتلهم حيثما وجدوا ، لأنّهم لم يتركوا أيّ سيّئة أو جريمة ضدّ الإسلام والمسلمين إلّا عملوها ، ولذلك اضطرّ عكرمة إلى الفرار من مكّة ، فتوجّه إلى البحر الأحمر وركب السفينة ، فأخذت بأطرافه ريح عاصف ، فقال بعض أهل السفينة لبعضهم الآخر : تعالوا نترك الأصنام ونتضرّع إلى الله وحده ونسأله لطفه ، فإنّ آلهتنا هذه لا تنفع شيئا!
فقال عكرمة : إذا لم ينقذنا غير توحيدنا في البحر ، فلن ينقذنا في البرّ سواه أيضا ، اللهمّ إنّ أعطيك عهدا ـ إذا نجّيتني من هذه المحنة ـ لآتينّ محمّدا صلىاللهعليهوآله وأبايعه ، فإنّي أعلم أنّه كريم عفوّ.
وأخيرا نجا ، وأتى إلى النّبي صلىاللهعليهوآله (٢).
__________________
(١) «مقتصد» من مادّة قصد ، بمعنى الاعتدال في العمل ، والوفاء بالعهد.
(٢) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث ، ووردت هذه الحادثة في (اسد الغابة في معرفة الصحابة) ج ٤ ، صفحة ٥ بتفاوت