الكتاب شاهد بنفسه على صحّته وأحقّيته.
ثمّ يشير إلى التهمة التي طالما وجهها المشركون والمنافقون إلى هذا الكتاب السماوي العظيم حيث قالوا : إنّ هذا الكتاب من تأليف محمّد. وقد ادعى كذبا بأنّه من الله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) (١) فيقول جوابا على ادّعاء هؤلاء الزائف : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) وأدلّة أحقّيته واضحة وبيّنة فيه من خلال آياته.
ثمّ يتطرّق إلى الهدف من نزوله ، فيقول : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ).
فبالرغم من أنّ دعوة النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مبشّرة ومنذرة ، وأنّه بشير قبل أن يكون نذيرا ، إلّا أنّه يجب التأكيد على الإنذار أكثر مع القوم الضالّين المعاندين.
وجملة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) إشارة إلى أنّ القرآن يهيّء أرضية الهداية ، إلّا أنّ التصميم واتّخاذ القرار النهائي موكول ومرتبط بنفس الإنسان.
وهنا يطرح سؤالان :
١ ـ من هم هؤلاء القوم الذين لم يأتهم أي نذير قبل النّبي صلىاللهعليهوآله؟
٢ ـ ألم يقل القرآن الكريم : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ). (٢)
قال جمع من المفسّرين في جواب السؤال الأوّل : المراد قبيلة قريش التي لم يكن لها نذير قبل نبيّ الإسلام.
وقال البعض الآخر : المراد مرحلة الفترة والفاصلة الزمنية بين نبوّة عيسى عليهالسلام وظهور نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله.
إلّا أنّ أيّا من هذين الجوابين لا يبدو صحيحا ، لأنّ الأرض لا تبقى خالية من حجّة الله مطلقا ، وفي كلّ عصر وزمان لا بدّ من وجود نبي أو وصي نبيّ لإتمام
__________________
(١) «أم» هنا بمعنى «بل» ، واحتمل البعض أنّ في الجملة تقديرا ، وكانت في الأصل : أيعترفون به أم يقولون افتراه ـ تفسير «الفخر الرازي وأبي الفتوح ـ» إلّا أنّ هذا الاحتمال يبدو بعيدا.
(٢) فاطر ، ٢٤.