مهلك القرون الخالية ، وأبره يا مبير الامم الطاغية يا خاذل الفئات الباغية ، وابتر عمره ، وابتز ملكه (١) وعف أثره (٢) واقطع خبره ، وأطف ناره ، وأظلم نهاره ، وكور شمسه ، وأزهق نفسه (٣) وأهشم شدته (٤) وجب سنامه (٥) وأرغم أنفه (٦) وعجل حتفه ، ولا تدع له جنة الا هتكتها ، ولا دعامة الا قصمتها ، ولا كلمة مجتمعة الا فرقتها ، ولا قائمة علو الا وضعتها ، ولا ركنا الا وهنته ، ولا سبباً الا قطعته ، وأرنا أنصاره وجنده واحبائه وارحامه عباديد بعد الألفة (٧) وشتى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤس بعد الظهور على الأمة ، وأشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة ، والأفئدة اللهفة ، والأمة المتحيرة ، والبرية الضائعة ، وأدل ببواره الحدود المعطلة (٨) والأحكام المهملة ، والسنن الداثرة (٩) والمعالم المغيرة والتلاوات المتغيرة ، والآيات المحرفة (١٠) والمدارس المهجورة ، والمحاريب المجفوة ، والمساجد المهدومة وأشبع به الخماص الساغبة ، وأرو به اللهوات اللاغبة ، والأكباد الظامية وأرح به الأقدام المتعبة ، واطرقه بليلة لا اخت لها ، وساعة لا شفاء منها وبنكبة لا انتعاش معها وبعثرة لا اقالة منها وأبح حريمه ، ونغص نعيمه ، وأره بطشتك الكبرى ، ونقمتك المثلى ، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة وسلطانك الذي هو أعز من سلطانه ، واغلبه لي بقوتك القوية ، ومحالك الشديد ، وامنعني منه
__________________
(١) : اي اسلبه ذلك.
(٢) عفا اثره : اذا اندرس.
(٣) : اذهبها واخرجها.
(٤) اهشم : كسّر.
(٥) الجبّ : القطع.
(٦) اي ذللهُ والصق انفه بالرغام وهو التراب.
(٧) العباديد : الفرق من الناس الذاهبون من كل وجه.
(٨) البوار : الهلاك.
(٩) : التي لم يبق لها اثر.
(١٠) كل ما تحمله هذه الجمل من معان فقد تحقّقت على ايدي حكام المسلمين الذين يدعون الاسلام وهو منهم بريء ، فالهالك منهم الى لعنة الله وعلى الله حصاد الباقين.