بن نعيم ؛ فلم يزل حتّى عزل نفسه في سنة خمس وثلاثين ؛ وذلك أنّ رجلا من الجند قذف رجلا ، فخاصمه إليه وثبّت عليه بشاهد واحد ، فأمر بحبس الجنديّ إلى أن يثّبت الرجل شاهدا آخر ، فأرسل أبو عون عبد الملك بن يزيد ، فأخرج الجنديّ من الحبس ، فاعتزل خير وجلس في بيته ، وترك الحكم ، فأرسل إليه أبو عون ، فقال : لا ، حتّى يردّ الجنديّ إلى مكانه! فلم يردّ ، وتمّ على عزمه ، فقالوا له : فأشر علينا برجل نولّيه ، فقال : كاتبي غوث بن سليمان.
فولي غوث بن سليمان الحضرميّ ، فلم يزل حتّى خرج مع صالح بن علي إلى الصّائفة.
ثم ولي أبو خزيمة إبراهيم بن يزيد الحميريّ وذلك أنّ أبا عون ـ ويقال صالح بن عليّ شاور في رجل يولّيه القضاء ، فأشير عليه بثلاثة نفر : حيوة بن شريح ، وأبو خزيمة ، وعبد الله بن عياش القتبانيّ ، وكان أبو خزيمة يومئذ بالإسكندرية ، فأشخص ، ثم أتي بهم إليه ، فكان أوّل من نوظر حيوة بن شريح ، فامتنع ، فدعي له بالسّيف والنّطع ، فلمّا رأى ذلك حيوة أخرج مفتاحا كان معه ، فقال : هذا مفتاح بيتي ، ولقد اشتقت إلى لقاء ربي. فلمّا رأوا عزمه تركوه ، فقال لهم حيوة : لا تظهروا ما كان من آبائي لأصحابي فيفعلوا مثلما فعلت ، فنجا حيوة ، ثمّ دعي بأبي خزيمة فعرض عليه القضاء فامتنع ، فدعي له بالسيف والنّطع فضعف قلبه ، ولم يحتمل ذلك ، فأجاب إلى القبول فاستقضي. وكان أبو خزيمة يعمل الأرسان ويبيعها قبل أن يلي القضاء ، فمرّ به رجل من أهل الإسكندرية ، وهو في مجلس الحكم ، فقال : لأختبرنّ أبا خزيمة ، فوقف عليه فقال له : يا أبا خزيمة ، احتجت إلى رسن لفرسي ، فقام أبو خزيمة إلى منزله ، فأخرج رسنا فباعه منه ، ثمّ جلس. وكان أبو خرشة المراديّ صديقا لأبي خزيمة ، فمرّ به يوما ، فسلّم عليه ، فلم ير منه ما كان يعرف ، وكان أبو خرشة قد خوصم إليه في جدار ، فاشتدّ ذلك على أبي خرشة ، فشكاه إلى بعض قرابته ، فسأل أبا خزيمة ، فقال : ما كان ذلك إلا أن خصمك خفت أن يرى سلامي عليك ، فيكسره ذلك عن بعض حجّته ، فقال أبو خرشة : فإنّي أشهدك أنّ الجدار له. ثمّ استعفى أبو خزيمة فأعفي.
وولي مكانه عبد الله بن بلال الحضرميّ ، ويقال إنما هو غوث الذي كان استخلفه حين شخص غوث إلى أمير المؤمنين أبي جعفر وذلك في سنة أربع وأربعين. ثمّ قدم غوث ، فأقرّه خليفة له يحكم بين الناس حتّى مات عبد الله بن بلال. قال يحيى بن بكير : لم يزل أبو خزيمة على القضاء ، حتّى قدم غوث من الصائفة فعزل أبو خزيمة ، وردّ غوث على القضاء. ثمّ إنّ غوثا شخص إلى العراق ، فأعيد أبو خزيمة إلى القضاء ،