فلم يزل حتّى توفّي سنة أربع وخمسين. وكان ابن حديج إذ ذاك بالعراق ، قال : فدخلت على أمير المؤمنين أبي جعفر ، فقال لي : يا بن حديج ، لقد توفّي ببلدك رجل أصيبت به العامّة! قلت يا أمير المؤمنين ، ذاك إذا أبو خزيمة ، قال : نعم.
ثمّ ولي مكانه ابن لهيعة ، وأجرى عليه في كلّ شهر ثلاثين دينارا ؛ وهو أوّل قاض بمصر أجري عليه ذلك ، وأوّل قاض استقضاه بها خليفة ، وإنّما كان ولاة البلد هم الّذين يولّون القضاة ، فلم يزل قاضيا حتّى صرف سنة أربع وستّين.
وولي إسماعيل بن اليسع الكوفيّ ، وعزل سنة سبع وستّين. وكان محمودا عند أهل البلد ، إلّا أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة ، ولم يكن أهل البلد يومئذ يعرفونه. قال ابن عبد الحكم : حدّثنا أبي عبد الله قال : كتب فيه الليث بن سعد إلى أمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين : إنك ولّيتنا رجلا يكيد سنّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرنا ، مع أنّا ما علمنا في الدينار والدرهم إلا خيرا ، فكتب بعزله.
وردّ غوث بن سليمان على القضاء ، فأقام حتّى توفّي في جمادى الآخرة سنة ثمان وستّين. حدثنا أبو رجاء حمّاد بن مسور ، قال : قدمت امرأة من الرّيف ، فرأت غوثا رائحا إلى المسجد ، فشكت إليه أمرها ، فنزل عن دابّته ، وكتب لها بحاجتها ، ثم ركب إلى المسجد فانصرفت المرأة وهي تقول : أصابت والله أمّك حتّى سمّتك غوثا ، أنت غوث عند اسمك.
وقيل : إنه أوّل قاض ركب للهلال مع الشهود. وقيل : بل ابن لهيعة.
فلما مات غوث ولي المفضّل (١) بن فضالة بن عبيد القتبانيّ ، ثمّ عزل سنة تسع وستين ، وهو أوّل القضاة بمصر طوّل الكتب ، وكان أحد فضلاء الناس وخيارهم.
ثم ولي أبو طاهر الأعرج عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن حزم الأنصاريّ ، وكان محمودا في ولايته ، ثمّ استعفي فأعفي في سنة أربع وسبعين. قالوا : فأشر علينا برجل ، فأشار بالمفضّل بن فضالة ، فولّى المفضّل ، فأقام إلى صفر سنة سبع وسبعين وعزل.
وولي محمد بن مسروق الكنديّ من أهل الكوفة ، ولم يكن بالمحمود في ولايته ، وكان فيه عتوّ وتجبّر ، فلم يزل إلى سنة أربع وثمانين ، فخرج إلى العراق.
واستخلف إسحاق بن الفرات التّجيبيّ (٢) ، فعزل في صفر سنة خمس وثمانين.
__________________
(١) شذرات الذهب : ١ / ٢٩٧.
(٢) شذرات الذهب : ٢ / ١١.