بالحاكم العدل أضحى الدين معتليا |
|
نجل الهدى وسليل السّادة الصّلحا |
ما زلزلت مصر من كيد يراد بها |
|
وإنّما رقصت من عدله فرحا |
وكانت أيام الحاكم من سنة ستّ وثمانين وثلثمائة إلى سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
وفي سنة ثلاث (١) عشرة وأربعمائة. قال ابن كثير : جرت كائنة غريبة ومصيبة عظيمة ؛ وهي أنّ رجلا من المصريّين من أصحاب الحاكم اتّفق مع جماعة من الحجّاج المصريين على أمر سوء ، فلمّا كان يوم الجمعة ، وهو يوم النّفر الأوّل ، طاف هذا الرجل بالبيت ، فلما انتهى إلى الحجر الأسود ، جاء ليقبّله فضربه بدبّوس كان معه ثلاث ضربات متواليات ، وقال : إلى متى يعبد هذا الحجر؟! ولا محمّد ولا عليّ يمنعني عمّا أفعله ، فإني أهدم اليوم هذا البيت. فاتّقاه أكثر الحاضرين ، وتأخروا عنه ، وذلك أنّه كان رجلا طويلا جسيما ، أحمر أشقر ، وعلى باب المسجد جماعة من الفرسان وقوف ليمنعوه ممّن أراده بسوء ، فتقدّم إليه رجل من أهل اليمن ، معه خنجر ، وفاجأه بها ، وتكاثر عليه الناس فقتلوه ، وقطّعوه قطعا ، وتتّبعوا أصحابه ، فقتل منهم جماعة ونهب أهل مكة ركب المصريّين ، وجرت فتنة عظيمة جدّا ، وسكن الحال ، وأما الحجر الشريف فإنّه سقط منه ثلاث فلق مثل الأظفار ، وبدا ما تحتها أسمر يضرب إلى صفرة ، محبّبا ، مثل الخشخاش ، فأخذ بنو شيبة تلك الفلق ، فعجنوها بالمسك واللكّ (٢) وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت ، وذلك ظاهر فيه إلى الآن.
وفي سنة سبع عشرة منع الظاهر صاحب مصر من ذبح البقر السليمة من العيوب الّتي تصلح للحرث ، وكتب عن لسانه كتاب قرىء على الناس ، فيه : «إنّ الله بسابغ نعمته ، وبالغ حكمته ، خلق ضروب الأنعام ، وعلم بها منافع الأنام ، فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض المذلّلة لمصالح الخلق ، فإنّ ذبحها غاية الفساد ، وإضرار بالعباد والبلاد».
وفيها انفرد المصريون بالحج ، ولم يحجّ أهل العراق والمشرق لفساد الأعراب ، وكذا في سنة ثماني عشرة وفي سنة تسع عشرة لم يحجّ أحد من أهل المشرق ولا من أهل الديار المصرية أيضا ، إلّا أنّ قوما من خراسان ركبوا في البحر من مدينة مكران ، فانتهوا إلى جدّة ، فحجّوا.
__________________
(١) في الكامل لابن الأثير : ٧ / ٣١٤ : سنة ٤١٤ ه.
(٢) اللك : صباغ أحمر.