قال العماد الكاتب : في سنة سبع وتسعين وخمسمائة اشتدّ الغلاء ، وامتدّ الوباء وحدثت المجاعة ، وتفرّقت الجماعة ، وهلك القويّ فكيف الضعيف؟! ونحف السمين فكيف العجيف! وخرج النّاس حذر الموت من الديار ، وتفرّقت فرق مصر في الأمصار ، ولقد رأيت الأرامل على الرّمال ، والجمال باركة تحت الأحمال ، ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللقم ، تسترقّ الجياع باللّقم.
قال صاحب المرآة وغيره : وكان في هذه السنة ، في شعبان ، زلزلة (١) هائلة من الصّعيد ، هدمت بنيان مصر ، فمات تحت الهدم خلق كثير.
وفي سنة تسع وتسعين [وخمسمائة] في ليلة السّبت سلخ المحرّم ماجت النجوم (٢) في السماء شرقا وغربا ، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا ، ودام ذلك إلى الفجر ، وانزعج الخلق ، وضجّوا بالدعاء ، ولم يعهد مثل ذلك إلّا في عام البعث وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين. قاله صاحب المرآة وغيره.
وفي سنة ستمائة ، كانت زلزلة (٣) عظيمة بديار مصر ، قاله ابن الأثير في الكامل. وفيها أخذت الفرنج فوّة (٤) واستباحوها ، دخلوا من فم رشيد في النيل. ذكره الذهبيّ في العبر.
وفي سنة سبع وستّمائة ، دخلت الفرنج من البحر من غربيّ دمياط ، وساروا في البرّ فأخذوا قرية بورة (٥) ، واستباحوا قتلا وسبيا ، وردّوا في الحال ، ولم يدركهم الطلب.
وفي سنة ثمان وستّمائة ، كانت زلزلة شديدة ، هدمت بمصر القاهرة دورا كثيرة ، ومات خلق تحت الهدم.
وفي سنة خمس عشرة وستّمائة ، في جمادى الأولى ، نزلت الفرنج على دمياط (٦) ، وأخذوا برج السلسلة ، ثمّ استحوذوا على دمياط في سنة ستّ عشرة ، فاستمرّت بأيديهم إلى أن استردّت منهم في سنة ثمان عشرة.
قال الذهبيّ في العبر : في سنة ستّ عشرة وستمائة ، حاصر الفرنج أهل دمياط (٧) ، ووقعت حروب كثيرة يطول شرحها ، وجدّت الفرنج في المحاصرة ، وعملوا
__________________
(١) النجوم الزاهرة : ٦ / ١٥٧.
(٢) النجوم الزاهرة : ٦ / ١٦٣.
(٣) الكامل لابن الأثير : ٩ / ٢٩٦.
(٤) المرجع السابق.
(٥) في شذرات الذهب : ٥ / ٢٤ : نورة.
(٦) النجوم الزاهرة : ٦ / ١٩٦.
(٧) النجوم الزاهرة : ٦ / ٢٠٢ ـ ٢٠٤.