وفي سنة أربع وتسعين : أوفى (١) النيل في السادس من أيام النسيء وكسر ، وبلغ مجموع زيادته ستة عشر ذراعا وسبعة عشر أصبعا ، وحصل في هذه السنة بديار مصر غلاء (٢) شديد. واستهلّت سنة خمس وتسعين وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط ، حتى أكلوا الجيف ، ونفدت حواصل السلطان من العليق ، فأقامت خيول السلطان ثلاثة أيام حتى أحضرت التقاوى المخلّد في البلاد ، وبلغ الإردبّ القمح مائة وسبعين درهما نقرة ، وذلك عبارة عن ثمانية مثاقيل ذهب ونصف مثقال ، والخبز كلّ رطل وثلث بالمصريّ بدرهم نقرة ، وأكلت الضعفاء الكلاب ، وطرحت الأموات في الطرقات ، وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ، فيلقون فيها الجماعة الكثيرة. وبيع الفرّوج بالإسكندرية بستة وثلاثين درهما نقرة ، وبالقاهرة بتسعة عشر ، والبيض كل ثلاثة بدرهم ، وفنيت الحمر والخيل والبغال والكلاب ، ولم يبق شيء من هذه الحيوانات يلوح. وفي جمادى الآخرة خفّ الأمر ، وأخذ في الرخص ، وانحطّ سعر القمح إلى خمسة وثلاثين درهما الإردب.
وفي سنة ستّ وتسعين [وستمائة] ، بلغت زيادة النيل إلى أوّل توت (٣) خمسة (٤) عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا ، ثمّ نقص ولم يوفّ.
وفي سنة سبع وتسعين توقّف (٥) النيل ، ثم أوفى آخر أيام النّسيء.
وفي سنة ثمان وتسعين في المحرّم ، ظهر كوكب له ذؤابة (٦).
وفي سنة تسعين [تسع وتسعين وستمائة] ، أوفى النيل في ثالث عشر توت.
وفي شعبان سنة سبعمائة ، أمر بمصر والشام اليهود بلبس العمائم الصّفر ، والنصارى بلبس الزّرق ، والسامرة بلبس الحمر ، واستمرّ ذلك إلى الآن.
وقال الشعراء في ذلك ، فقال العلاء الوداعيّ :
لقد ألزموا الكفّار شاشات ذلّة |
|
تزيدهم من لعنة الله تشويشا |
فقلت لهم : ما ألبسوكم عمائما |
|
ولكنّهم قد ألبسوكم براطيشا |
وقال آخر :
__________________
(١) انظر النجوم الزاهرة : ٨ / ٤٦.
(٢) النجوم الزاهرة : ٨ / ٤٩.
(٣) في مروج الذهب للمسعودي : ٢ / ١٧٨ : توت : شهر أيلول.
(٤) النجوم الزاهرة : ٨ / ٩١.
(٥) النجوم الزاهرة : ٨ / ٩٢.
(٦) النجوم الزاهرة : ٨ / ١٤٤.