فعند ما حظيت بالقرب أمّنها |
|
فشرّفت بعطايا جلّ مهديها |
فما يحلّ لدى صيد تناولها |
|
ولا ينال المنى بالنار مصليها |
ولا تطير بأوراق الفرنج ولا |
|
يسير عنها بما فيه أمانيها |
سمت بملك المعاني غير ذي دنس |
|
لا ترتضيهم ، ولو جزّت نواصيها |
وانظر لها كيف تأتي للخلائق من |
|
آل الرّسول بحبّ كامن فيها |
من المقام إلى دار السّلام فلم |
|
يمض النّهار بعزم في دواعيها |
وربّما ضلّ عنه الهند ملتقطاف |
|
حبّات فلفله وارتدّ مبطيها |
فجاء في يومه في إثر سابقه |
|
حفظا لحقّ يد طابت أياديها |
مناقب لرسول الله أيسرها |
|
لدى نبوّته الغرّاء تكفيها |
ومن إنشاء القاضي الفاضل في وصف حمائم الرسائل :
سرحت لا تزال أجنحتها محمّلة من البطائق أجنحة ، وتجهّز جيوش المقاصد والأقلام أسلحة ، وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر ، وتطوي الأرض إذا نشرت الجناح الطائر ، وتزوى (١) لها الأرض حتّى ترى ملك هذه الأمّة ، وتقرب من السماء حتى ترى ما لا يبلغه وهم ولا همّة ، وتكون مراكب للأغراض وكانت والأجنحة قلوعا ، وتركب الجوّ بحرا تصفق فيه هبوب الرياح موجا مرفوعا ، وتعلّق الحاجات على أعجازها ، ولا تفوق الإرادات عن إنجازها ، ومن بلاغات البطائق استفادت ما هي مشهورة به من السجع ، ومن رياض كتبها ألفت الرياض فهي إليها دائمة الرّجع. وقد سكنت البروج فهي أنجم ، وأعدّت في كنائنها (٢) فهي للحاجات أسهم ، وكادت تكون ملائكة لأنّها رسل ، فإذا نيطت بالرّقاع ، صارت أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع. وقد باعد الله بين أسفارها وقرّبها ، وجعلها طيف خيال اليقظة الّذي صدّق العين وما كذّبها ، وقد أخذت عهود الأمانة في رقابها أطواقا ، فأدّتها من أذنابها أوراقا ، وصارت خوافي من وراء الخوافي ، وغطّت سرّها المودع بكتمان سحبت عليه ذيول ريشها الضّوافي ، ترغم أنف النّوى بتقريب العهود ، وتكاد العيون تلاحظها تلاحظ أنجم السعود ؛ وهي أنبياء الطير لكثرة ما تأتي بهم من الأنباء ، وخطباؤها لأنّها تقوم على الأغصان مقام الخطباء.
وقال في وصفها شيخ الكتّاب ذو البلاغتين السديد أبو القاسم شيخ القاضي الفاضل :
__________________
(١) تزوى لها الأرض : تنقبض.
(٢) مفردها الكنانة : جعبة السهام.