وأين الخير كلّه إلّا لهذه؟! فقال له : ما تترك تعصّبك لمصر يا أبا حفص؟! فلما أجريت الخيل جاءت المصرية كلّها سابقة ما خالطها غيرها.
قال : وبها زيت الفجل ودهن (١) البلسان والأفيون والأبرميس (٢) وشراب العسل والبسر البرنيّ الأحمر واللّبخ والخسّ والكبريت والشمع والعسل وخلّ الخمر والترمس والجلبان والذرة والنّيدة والأترجّ الأبلق والفراريج الزبليّة. وذكر أنّ مريم عليهاالسلام شكت إلى ربّها قلّة لبن عيسى ، فألهمها أن غلت النيدة فأطعمته إيّاها.
وذكر بعضهم أنّ رهبان الشام لا يكادون يرون إلا عمشا من أكل العدس ، ورهبان مصر سالمون من ذلك لأكلهم الجلبّان.
والبقر الذي بمصر أحسن البقر صورة ، وليس في الدنيا بقر أعظم خلقا منها ، حتّى أنّ العضو منها يساوي أكبر ثور من غيرها.
وبها الحطب الصّنط والأبنوس الأبلق والقرط (٣) الذي تعلفه الدواب.
وذكر أنّه يوقد بالحطب الصنط عشرين سنة في الكانون أو التّنّور ، فلا يوجد له رماد طول هذه المدّة.
وجيزتها في وقت الربيع من أحسن مناظر الدنيا.
وقال صاحب مباهج الفكر : يقال إنّ بمصر سبعمائة وخمسين معدنا ، توجد بجبل المقطّم : الذهب والفضة والخارصين والياقوت ؛ إلا أنّه لطيف جدّا ، يستعمل في الأكحال والأدوية ، وفي أسوان يغاص على السنفاوج ومعدن الزمرّد ؛ وليس في الدنيا غيره ، وبجبال القلزم المتصلة بجبل المقطّم حجر المغناطيس.
ومن خصائص مصر بركة النّطرون. وينبت في أرض مصر سائر ما ينبت في الأرض. انتهى.
وقال صاحب غرائب العجائب : بمصر بئر البلسم بالمطريّة ، يسقى بها شجر البلسان ، ودهنه عزيز والخاصيّة في البئر ؛ فإنّ المسيح عليهالسلام اغتسل فيها ، وليس في الدنيا موضع ينبت فيه البلسان إلا هذا الموضع ، وقد استأذن الملك الكامل أباه العادل
__________________
(١) دهن البلسان يستخرج من شجر له زهر أبيض بهيئة العناقيد ، وهذا الدهن عطر الرائحة ، وهو من فصيلة البخوريات ، (المنجد).
(٢) لعلّ الصواب : الإبرسيم : الحرير.
(٣) القرط : نوع من الكرّاث. أمّا بضم القاف فهو نبات يشبه الفصفصة.