ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين وأهلها في ظلّ الأمن خالدون. فليأخذ حظّه من هذه البشرى التي ما كتبنا بها حتّى كتبت بها الرياح إلى نهر المجرّة إلى البحر المحيط ، ونطقت بها رحمة الله تعالى إلى مجاوري بيته من لابسي التقوى ونازعي المحيط ، وبشّرت بها مطايا المسير الذي يسير من قوص غير منقوص ، ويتشارك بها الابتهاج في العالم فلا مصر دون مصر بها مخصوص.
والله تعالى يجعل الأولياء في دولتنا يبتهجون بكلّ أمر جليل ، وجيران الفرات يفرحون بجريان النيل.
وكتب الصلاح الصفديّ بشارة إلى بعض النوّاب في بعض الأعوام :
ضاعف الله نعمة الجناب وسرّ نفسه بأنفس بشرى ، وأسمعه من الهناء كلّ آية أكبر من الأخرى ، وأقدم عليه من المسارّ ما يتحرّز ناقل ويتحرّى ، وساق إليه كلّ طليعة إذا تنفّس صبحها تفرّق الليل وتفرّى ، وأورد لديه من أنباء الخصب ما يتبرّم به محلّ المحل ويتبرّى.
هذه المكاتبة إلى الجناب العالي نخصّه بسلام يرى كالماء انسجاما ، ويروق كالزهر ابتساما ، ونتحفه بثناء جعل المسك له ختاما ، وضرب له على الرياض النافحة خياما ، ونقصّ عليه من أنباء النيل الذي خصّ الله البلاد المصريّة بوفادة وفائه ، وأغنى به قطرها عن القطر فلم تحتج إلى مدّ كافه وفائه ، ونزّهه عن منّة الغمام الذي إنّ جاد فلا بدّ من شهقة رعده ودمعة بكائه ، فهي الأرض التي لا يذمّ للأمطار في جوّها مطار ، ولا يزمّ للقطّار في نفعها قطار ، ولا ترمد الأنواء فيها عيون النّوار ، ولا تشيب بالثلوج مفارق الطرق ورؤوس الجبال ، ولا تفقد فيها حلى النجوم لاندراج الليلة تحت السحب بين اليوم وأمس ، ولا يتمسّك في سنائها المساكين كما قبل بحبال الشمس ، وأين أرض يخدّ عجاجها بالبحر العجّاج ، وتزدحم في ساحاتها أفواج الأمواج ، من أرض لا تنال السّقيا إلا بحرب لأنّ القطر سهام والضباب عجاج قد انعقد ، ولا يعمّ الغيث بقاعها لأنّ السحب لا تراها إلا بسراج البرق إذا اتّقد. فلو خاصم النيل مياه الأرض لقال : عندي قبالة كلّ عين إصبع ، ولو فاخرها لقال : أنت بالجبال أثقل وأنا بالملق أطبع. والنيل له الآيات الكبر ، وفيه العجائب والعبر ، منها وجود الوفا ، عند عدم الصفاء ، وبلوغ الهرم ، إذا احتد واضطرم ، وأمن كلّ فريق ، إذا قطع الطريق وفرح قطان الأوطان إذا كسر وهو كما يقال سلطان. وهو أكرم منتدى ، وأعزب مجتبى ، وأعظم مجتدى ، إلى غير ذلك من خصائصه ، وبراءته مع الزيادة من نقائصه.
وهو أنّه في هذا العام المبارك جذب البلاد من الجدب وخلّصها بذراعه ، وعصمها