قال ابن عبد الحكم : توفّي (١) عمر ، وعلى مصر أميران : عمرو بن العاص بأسفل الأرض وعبد الله بن سعد على الصعيد. فلما استخلف عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أميرا على مصر كلّها ؛ وذلك في سنة خمس (٢) وعشرين.
وقال الواقديّ وأبو معشر : في سنة سبع وعشرين.
فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة ، وفي نفسه من عثمان أمر كبير ؛ وجعل عمرو ابن العاص يؤلّب الناس على عثمان ؛ وكره أهل مصر عبد الله بن سعد بعد عمرو بن العاص ؛ واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقيّة ، ونشأ بمصر ناس من أبناء الصحابة يؤلّبون الناس على حرب عثمان ، والإنكار عليه في عزل عمرو ، وتولية من دونهم ؛ وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ، حتّى استنفرا نحوا من ستّمائة راكب يذهبون إلى المدينة لينكروا على عثمان ، فساروا إليها ، وسألوه أن يعزل عنهم ابن أبي سرح ، ويولّي محمد بن أبي بكر أميرا ، فأجابهم إلى ذلك ، فلمّا رجعوا إذا هم براكب ، فأخذوه وفتّشوه (٣) ، فإذا في إداوته كتاب إلى ابن أبي سرح على لسان عثمان بقتل محمد بن أبي بكر وجماعة معه ، فرجعوا وداروا بالكتاب على الصحابة ؛ فلام النّاس عثمان على ذلك ، فخلف : ماله علم بذلك ، وثبت أنه زوّره على لسانه مروان بن الحكم ، وزوّره على خاتمه ، فكان ذلك سبب تحريض المصريّين على قتل عثمان حتّى حصروه وقتلوه. وكان الذي باشر قتله رجلا من أهل مصر من كندة يسمى أسود بن حمران ، ويكنى أبا رومان ، ويلقب حمارا ، وقيل : اسمه رومان ، وقيل اسمه سودان (٤) بن رومان المراديّ. وكان أشقر أزرق ، وقتل هو أيضا في الحال ـ لعنه الله ورضي عن عثمان أمير المؤمنين ـ وفعل المصريون في المدينة من الشرّ ما لا يفعله فارس والرّوم ، ونهبوا دار عثمان ، وعدلوا إلى بيت المال فأخذوا ما فيه ، وكان فيه شيء كثير جدّا ، وذلك في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.
وأخرج الواقديّ عن عبد الرحمن بن الحارث ، قال : الذي قتل عثمان كنانة بن بشر (٥) بن غياث التّجيبيّ ، حتّى قال القائل :
ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة |
|
قتيل التّجيبيّ الّذي جاء من مصرا |
__________________
(١) توفي سنة ٢٣ ه. انظر الكامل لابن الأثير : ٣ / ٢٦.
(٢) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٤٥ : ولي عبد الله بن سعد سنة ٢٦ ه.
(٣) انظر الكامل لابن الأثير : ٣ / ٨٥.
(٤) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٩٠ : سودان بن حمران.
(٥) الكامل لابن الأثير : ٣ / ٩٠.