وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب ، قال : كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال ، فتحمل وقرها ، وتقول : اللهمّ بدّل ، اللهمّ غيّر. فلمّا قتل عثمان ، قال حسّان بن ثابت :
قلتم بدّل فقد بدّلكم |
|
سنة حرّى وحربا كاللهب |
ما نقمتم من ثياب خلفة |
|
وعبيد وإماء وذهب |
وروى محمد بن عائذ ، عن إسماعيل بن عيّاش ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير ، قال : سمع عبد الله بن سلام رجلا يقول لآخر : قتل عثمان بن عفّان فلم ينتطح فيها عنزان. فقال ابن سلام : أجل ، إنّ البقر والغنم لا تنتطح في قتل الخليفة ، ولكن تنتطح فيه الرجال بالسلاح ؛ والله ليقتلنّ به أقوام إنّهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد.
وبقيت المدينة خمسة أيام بلا خليفة ، والمصريّون يلحّون على عليّ أن يبايعوه وهو يهرب منهم ؛ ويطلب الكوفيّون الزّبير فلا يجدونه ، والبصريّون طلحة فلا يجيبهم ، فقالوا فيما بينهم : لا نولّي أحدا من هؤلاء الثلاثة ، فمضوا إلى سعد بن أبي وقّاص فلم يقبل منهم ، ثمّ جاءوا إلى ابن عمر ، فأبى عليهم ، فحاروا في أمرهم ، وقالوا : إن نحن رجعنا بقتل عثمان عن غير إمرة ، اختلف الناس ؛ فرجعوا إلى عليّ ، فألحوا عليه فبايعوه ، فأشار عليه ابن عباس باستمرار نوّاب عثمان في البلاد إلى حين آخر ، فأبى عليه ، وعزل عبد الله ابن سعد بن أبي سرح عن مصر وولّى عليها قيس بن سعد بن عبادة.
وكان محمد بن أبي حذيفة لمّا بلغه حصر عثمان تغلّب على الديار المصرية ، وأخرج منها ابن أبي سرح ، وصلّى بالناس فيها ، فسار ابن أبي سرح ، فجاءه الخبر في الطريق بقتل عثمان ، فذهب إلى الشام ، فأخبر معاوية بما كان في أمره بديار مصر ، وأنّ محمد بن أبي حذيفة قد استحوذ عليها ، فسار معاوية وعمرو بن العاص ليخرجاه منها ، فعالجا دخول مصر ، فلم يقدرا ، فلم يزالا به حتّى خرج إلى العريش في ألف رجل ، فتحصّن بها. وجاء عمرو بن العاص ، فنصب عليه المنجنيق حتّى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتلوا ؛ ذكره ابن جرير (١).
ثم سار إلى مصر قيس بن سعد بن عبادة بولاية من عليّ ، فدخل مصر في سبعة نفر ، فرقى المنبر ، وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين عليّ ، ثمّ قام قيس فخطب الناس ،
__________________
(١) وكذلك في الكامل لابن الأثير : ٣ / ١٣٥.