أبي الفرج بن الجوزيّ ، ومعه كتاب عظيم فيه تقليده الملك ، وفيه أوامر كثرة مليحة من إنشاء الوزير نصير الدين أحمد بن الناقد ؛ رأيت بخطّ قاضي القضاة عزّ الدين بن جماعة ، قال : وقفت على نسخة تقليد من الخليفة المنصور أبي جعفر المستنصر بالله أمير المؤمنين بخطّ وزيره أبي الأزهر أحمد بن الناقد في رجب سنة نيّف وعشرين وستمائة للملك الكامل :
الحمد لله الذي اطمأنّت القلوب بذكره ، ووجب على الخلائق جزيل حمده وشكره ووسعت كلّ شيء رحمته ، وظهرت في كلّ أمر حكمته ، ودلّ على وحدانيّته بعجائب ما أحكم صنعا وتدبيرا ، وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا ، ممدّ الشاكرين بنعمائه التي لا تحصى عددا ، وعالم الغيب الّذي لا يظهر على غيبه أحدا ؛ لا معقّب لحكمه في الإبرام والنقض ، ولا يؤده حفظ السماوات والأرض ، تعالى أن يحيط به الضّمير ، وجلّ أن يبلغ وصفه البيان والتفسير ؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأحمد الله الذي أرسل محمد صلىاللهعليهوسلم بالحق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وابتعثه هاديا للخلق ، وأوضح به مناهج الرّشد وسبل الحقّ ، واصطفاه من أشرف الأنساب وأعزّ القبائل ، وجعله أعظم الشّفعاء وأقرب الوسائل ، فقذف صلىاللهعليهوسلم بالحقّ على الباطل ، وحمل النّاس بشريعته على المحجّة البيضاء والسّنن العادل ؛ حتّى استقام اعوجاج كلّ زائغ ، ورجع إلى الحقّ كلّ حائد عنه ومائل ، وسجد لله كلّ شيء تتفيّأ ظلاله على اليمين والشمائل ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأفاضل ، صلاة مستمرّة بالغدوات والأصائل ، خصوصا على عمّه وصنو أبيه العبّاس بن عبد المطلب الّذي اشتهرت مناقبه في المجامع والمحافل ، ودرّت ببركة استسقائه أخلاف السّحب الهواطل ، وفاز من تنصيص الرسول صلىاللهعليهوسلم في الخلافة المعظّمة بما لم يفز به أحد من الأوائل.
والحمد لله الذي حاز مواريث النبوّة والإمامة ، ووفّر من جزيل الأقسام من الفضل والكرامة ، لعبده وخليفته ، ووارث نبيّه ومحيي شريعته وسنّته.
ولمّا وفّق الله نصير الدين محمد بن سيف الدين أبي بكر بن أيّوب من الطاعة المشهورة ، والخدم المشكورة ، أنعم عليه بتقليد شريف إماميّ ، فقلّده على خيرة الله الرّعاية والصلاة وأعمال الحرب والمعاون والأحداث والخراج والضياع والصّدقات والجوالي وسائر وجوه الجبايات ، والقرض والعطاء ، والنفقة في الأولياء ، والمظالم والحسبة في بلاده ، وما يفتتحه ويستولي عليه من بلاد الفرنج الملاعين ، وبلاد من تبرز إليه الأوامر الشريفة بقصده من المارقين عن الإجماع المنعقد بين علماء المسلمين. ومنه