أمره بتقوى الله تعالى الّتي هي الجنّة (١) الواقية ؛ والنعمة الباقية ، والملجأ المنيع ، والعماد الرفيع ، والذّخيرة النافعة في السرّ والنّجوى ، والجذوة المقتبسة من قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٧] ، وأن يدرع شعارها في جميع الأقوال ، ويهتدى بأنوارها من مشكلات الأمور والأحوال ، وأن يعمل بها سرّا وجهرا ، ويشرح للقيام بحدودها الواجبة صدرا ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق : ٥] ، وأمره بتلاوة كتاب الله تعالى ، متدبّرا غوامض عجائبه ، سالكا سبيل الرشاد ، والهداية في العمل به ، وأن يجعله مثالا يتّبعه ويقتفيه ، ودليلا يهتدى بمراشده الواضحة في أوامره ونواهيه ؛ فإنّه النّفل الأعظم ، وسبب الله المحكم ، والدّليل الذي يهدي للتي هي أقوم ؛ ضرب الله فيه لعباده جوامع الأمثال ، وبيّن لهم بهداه مسالك الرّشد والضّلال ، وفرّق بدلائله الواضحة ونواهيه الصادقة بين الحرام والحلال ، فقال عزّ من قائل : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٨] ، وقال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) [ص : ٢٩].
وأمره بالمحافظة على مفروض الصّلوات والدخول فيها على أكمل هيئة من قوانين الخشوع والإخبات (٢) ، وأن يكون نظره في موضع نجواه من الأرض ، وأن يمثل لنفسه في ذلك موقفه بين يدي الله تعالى يوم العرض ، وقال تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) [المؤمنون : ٢] ، وقال سبحانه : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣] ، وألّا يشتغل بشاغل عن أداء فروضها الواجبة ، ولا يلهو بسبب عن إقامة سنّتها الراتبة ، فإنّها عماد الدّين التي سمت أعاليه ، ومهاد الشّرع الذي رست قواعده ومبانيه ، وقال تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة : ٤٣٨] ، وقال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥].
وأمره أن يسعى إلى صلاة الجمع والأعياد ، ويقوم في ذلك بما فرضه الله عليه وعلى العباد ، وأن يتوجّه إلى المساجد والجوامع متواضعا ، ويبرز إلى المصلّيات الضاحية في الأعياد خاشعا ، وأن يحافظ في تشييد قواعد الإسلام على الواجب والمندوب ، ويعظّم باعتماده ذلك شعائر الله الّتي هي من تقوى القلوب.
وأن يشمل بوافر اهتمامه واعتنائه ، وكمال نظره وإرعائه ، بيوت الله التي هي محالّ
__________________
(١) الجنّة : السترة وما يتّقى به.
(٢) الإخبات : الاطمئنان إلى الله والخشوع أمامه.