يا كاشف الضرّ صفحا عن جرائمنا |
|
لقد أحاطت بنا يا ربّ بأساء |
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها |
|
حملا ونحن بها حقّا أحقّاء |
زلازلا تخشع الصّمّ الصّلاب لها |
|
وكيف يقوى على الزلزال شمّاء |
أقام سبعا ترجّ الأرض فانصدعت |
|
عن منظر منه عين الشمس عشواء |
بحر من النار تجري فوقه سفن |
|
من الهضاب لها في الأرض إرساء |
كأنّما فوقه الأجبال طافية |
|
موج عليه لفرط الهيج وعثاء (١) |
ترى لها شررا كالقصر طائشة |
|
كأنّها ديمة تنصبّ هطلاء (٢) |
تنشقّ منها قلوب الصخر إن زفرت |
|
رعبا ، وترعد مثل السّعف أضواء |
منها تكاثف في الجوّ الدّخان إلى |
|
أن عادت الشمس منه وهي دهماء |
قد أثّرت سفعة في البدر لفحتها |
|
فليلة التّمّ بعد النّور ليلاء (٣) |
وقال آخر في هذه النار ، وغرق بغداد :
سبحان من أصبحت مشيئته |
|
جارية في الورى بمقدار |
أغرق بغداد بالمياه كما |
|
أحرق أرض الحجاز بالنار |
قال أبو شامة : والصواب أن يقال :
في سنة أغرق العراق وقد |
|
أحرق أرض الحجاز بالنّار |
وذكر ابن الساعي أنّ النجاب لمّا جاء إلى بغداد بخبر هذه النار ، قال له الوزير : إلى أيّ الجهات ترمي شررها؟ قال : إلى جهة الشرق.
قال أبو شامة : وفي ليلة الجمعة مستهلّ رمضان من هذه السنة ، احترق المسجد الشريف النبويّ ، ابتدأ حريقه من زاويته الغربيّة من الشّمال ، وكان دخل أحد القومة (٤) إلى خزانة ثمّ ، ومعه نار فعلقت في الآلات ، واتّصلت بالسقف بسرعة ، ثمّ دبّت في السقوف ، فأعجلت النار عن قطعها ، فما كان إلّا ساعة حتّى احترقت سقوف المسجد أجمع ، ووقعت بعض أساطينه ، وذاب رصاصها ، وكلّ ذلك قبل أن ينام الناس ، واحترق سقف الحجرة النبويّة الشريفة (٥) ، واحترق المنبر الذي كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب عليه.
__________________
(١) الوعثاء : المشقة والتعب.
(٢) الديمة : مطر يدوم في سكون بلا رعد ولا برق.
(٣) السفعة : ما يغشى وجه الشمس من البقع السوداء.
(٤) أبو بكر المراغي. الشذرات : ٥ / ٢٦٣.
(٥) شذرات الذهب : ٥ / ٢٦٣.