سيفا لو أغفت بوارقه ليلة واحدة عن الأعداء سلّت خياله عليهم الأحلام ؛ وسيؤكّد أمير المؤمنين في ارتجاع ما غلب عليه العدا.
وقد قدّم الوصيّة بأن يوالي غزو العدوّ المخذول برّا وبحرا. ولا يكفّ عمّن ظفر به منهم قتلا ولا أسرا ، ولا يفكّ أغلالا ولا إصرا (١) ، ولا ينفكّ يرسل عليهم في البرّ من الخيل عقبانا وفي البحر غربانا (٢) ، تحمل كلّ منهما من كلّ فارس صقرا ، ويحمي الممالك مما يتخرّق أطرافها بإقدام ، ويتحوّل أكنافها بأقدام ، وينظر في مصالح القلاع والحصون والثغور ، وما يحتاج إليه من آلات القتال وأمهات الممالك التي هي مرابط البنود ، ومرابض الأسود ، والأمراء والعساكر والجنود ، وترتيبهم في الميمنة والميسرة والجناح الممدود ، ويتفقّد أحوالهم بالعرض ، بما لم من خيل تعقد ما بين السماء والأرض ، وما لهم من زرد موضون (٣) ، وبيض (٤) مسّها ذائب ذهب فكانت كأنّها بيض مكنون ، وسيوف قواضب ، ورماح بسبب دوامها من الدماء خواضب ، وسهام تواصل القسيّ وتفارقها ، فتحنّ حنين مفارق وتزمجر القوس زمجرة مغاضب.
وهذه جملة أراد بها أمير المؤمنين إطابة قلوبكم ، وإطالة ذيل التطويل على مطلوبكم ، ودماؤكم وأموالكم وأعراضكم في حماية إلّا ما أباح الشرع المطهّر ، ويزيد الإحسان إليكم على مقدار ما يخفى منكم ويظهر. وأما جزئيّات الأمور فقد علمتم بأنّ من بعد عن أمير المؤمنين غني عن مثل هذه الذكرى ، وأنتم على تفاوت مقاديركم وديعة أمير المؤمنين ، وكلّكم سواء في الحقّ عند أمير المؤمنين ، وله عليكم أداء النصيحة ، وإبداء الطاعة بسريرة صحيحة ؛ فقد دخل كلّ منكم في كنف أمير المؤمنين وتحت رقّه ، ولزمه حكم بيعته وألزم طائره في عنقه ؛ وسيعلم كلّ منكم في الوفاء بما أصبح به عليما ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما.
هذا قول أمير المؤمنين ؛ وقال وهو من يعمل في ذلك كلّه بما تحمد عاقبته من الأعمال ، وعلى هذا عهد إليه وبه يعهد ، وما سوى ذلك فجور لا يشهد به عليه ولا يشهد ؛ وأمير المؤمنين يستغفر الله على كلّ حال ، ويستعيذ به من الإهمال ، ويسأله أن يمدّه لما يحبّ من الآمال ، ولا يمدّ له حبل الإهمال.
__________________
(١) الإصر : العهد.
(٢) الغراب : نوع من السفن [الجيش العربي في عصر الفتوحات : ١٧٠].
(٣) الزرد الموضون : المتقارب النسيج.
(٤) البيض : السيوف.