ويختم أمير المؤمنين قوله بما أمر الله به من العدل والإحسان ، والحمد لله وهو من الخلق أحمد ، وقد آتاه الله ملك سليمان ، والله يمتّع أمير المؤمنين بما وهبه ، ويملّكه أقطار الأرض ويورثه بعد العمر الطويل عقبه ، فلا يزال على سدّة العلياء قعوده ، ولدست الخلافة به أبّهة الجلالة كأنّه ما مات منصوره ولا أودى مهديه ولا رشيده.
ومن قصيدة ابن فضل الله التي سمّاها حسن الوفاء بمشاهير الخلفاء :
وطار منهم نحو مصر قشعم |
|
قد جاءها كما يجيء الطائر |
قال أخي مستنصر ووالدي |
|
والده وهو الإمام الظاهر |
فلقّبوه مثله مستنصرا |
|
وذاك أنّ جدّ هذا الناصر |
وكان منه الظاهر السلطان ذا |
|
خوف ومن بأسائه يحاذر |
فبايعوا الحاكم بعد أن أتى |
|
وفر فالتفّت به العشائر |
وهو أبو العبّاس أحمد الرضا |
|
من ولد الرّاشد نجم زاهر |
وقام مستكف كفاه ربّه |
|
جميع ما يخاف ناه آمر |
وبعده الواثق إبراهيم لا |
|
عاد ولا دارت له الدوائر |
والحاكم الآن إمام عصرنا |
|
بشرى لنا إنّا له نناصر |
ثمّ في يوم الاثنين ثاني محرم سنة اثنتين وأربعين حضر الخليفة الحاكم والسلطان المنصور والقضاة بدار العدل ، فجلس الخليفة على الدرجة العلياء ، وعليه خلعة خضراء ، وفوق عمامته طرحة سوداء مرقومة بالذهب ، وجلس السلطان دونه ، فقام الخليفة وخطب خطبة افتتحها بقوله :
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل : ٩٠] ، وبقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) [النحل : ٩١] ثمّ أوصى الأمراء بالرفق بالرعيّة وإقامة الحقّ ، وتعظيم شعائر الإسلام ونصرة الدين ، ثمّ قال : فوّضت إليك جميع أحكام المسلمين ، وقلّدتك جميع ما تقلّدته من أمور الدين (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) [الفتح : ١٠] وقرأ الآية ، وجلس. ثمّ جيء بخلعة سوداء ألبسها الخليفة السلطان بيده ، ثمّ قلّده سيفا عربيّا ، ثمّ أخذ علاء الدين بن فضل الله كاتب السر في قراءة عهد الخليفة للسلطان ، حتّى فرغ منه ، ثمّ قدّمه إلى الخليفة ، فكتب عليه ثمّ كتب بعده القضاة الأربعة بالشهادة عليه واستمرّ الخليفة في