فاستمرّ إلى أن قتل الأشرف شعبان (١) وأقيم ولد المنصور عليّ (٢) وكان أينبك البدريّ مدبّر دولته ، وقد حقد على المتوكّل أمورا ، فطلب نجم الدين زكريا بن إبراهيم ابن وليّ العهد المستمسك بن الخليفة الحاكم يوم الاثنين رابع ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ، فخلع عليه ، واستقرّ خليفة بغير مبايعة ولا إجماع ، ولقّب المعتصم بالله. ثمّ في العشرين من الشهر كلّم الأمراء أينبك فيما فعله مع المتوكّل ، ورغّبوه في إعادته إلى الخلافة ، فأعاده وخلع زكريّا ، فكانت خلافته خمسة عشر يوما. ثمّ لم يتمّ الشهر على أينبك حتّى اتّفق العساكر على خلافه والخروج عليه ، فهرب ، ثمّ ظفر به في تاسع ربيع الآخر ، فقيّد وسجن بالإسكندريّة وكان آخر العهد به.
وقال فيه الأديب شهاب الدين بن العطار :
من بعد عزّ أذلّ أينبكا |
|
وانحطّ بعد السموّ من فتكا |
وراح يبكي الدّماء منفردا |
|
والنّاس لا يعرفون أين بكى |
واستمرّ المتوكّل في الخلافة إلى رجب سنة خمس وثمانين. فبلغ الظاهر (٣) برقوقا أنّه واطأ جماعة أن يقتلوه إذ لعب الأكرة ، ويقوموا بنصرة الخليفة واستبداده بالأمر ، وأنّ الخليفة ذكر أنّه ما فوّض إليه السلطنة إلا كرها ، وأنّه لم يسر في ملكه بالعدل. فاستدعى برقوق بالقضاة ليفتوه في الخليفة بشيء فامتنعوا ، وقاموا عنه ، فخلع (٤) هو الخليفة بقوّته وسجنه بالقلعة. ثم طلب عمر (٥) بن إبراهيم بن المستمسك بن الحاكم ، وبايعه بالخلافة ولقّب الواثق بالله. ثمّ في ذي القعدة من السّنة ، أخرج المتوكّل من السجن ، وأقام بداره مكرّما ، واستمر الواثق في الخلافة إلى أن مات يوم الأربعاء تاسع عشري شوّال سنة ثمان وثمانين.
فكلّم الناس برقوقا في إعادة المتوكّل ، فأبى وأحضر أخا عمر زكريّا الذي كان أينبك ولّاه تلك الأيام اليسيرة ، فبايعه ولقّب المعتصم بالله ، فاستمرّ إلى يوم الخميس
__________________
(١) قتل الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون سنة ٧٧٨ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠].
(٢) وكان عمره سبع سنين. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠].
(٣) تسلطن تاسع عشر رمضان سنة ٧٨٤ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤١].
(٤) شذرات الذهب : ٦ / ٢٨٦.
(٥) في شذرات الذهب : محمد.