ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين. فندم برقوق على ما صنع بالمتوكّل ، فخلع زكريّا وأعاد المتوكّل إلى الخلافة ، وحلّف القضاة كلا من الخليفة والسلطان للآخر على الموالاة والمناصحة. وأقام زكريّا بداره إلى أن مات مخلوعا في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة. وقرىء تقليد المتوكل بالمشهد النفيسيّ (١) فى ثامن عشر الشهر بحضرة القضاة والأمراء ، وقرّر له السلطان دارا بالقلعة يسكنها ، ويركب إلى داره بالمدينة متى شاء.
واستمرّ المتوكّل في خلافته هذه إلى أن مات ليلة الثلاثاء ثامن عشري رجب (٢) سنة ثمان وثمانمائة.
قال المقريزي : وهو أوّل من أثرى من خلفاء مصر ، وكثر ماله ، ورزق أولادا كثيرة ، يقال إنّه جاء له مائة ولد ، ما بين مولود وسقط ، ومات عن عدّة أولاد ذكور وإناث ، ولي الخلافة منهم خمسة ، ولا نظير لذلك ؛ وأكثر إخوته ولوا الخلافة فيما تقدّم ، أربعة. واتّفق للمتوكّل هذا أنّه عاد إلى الخلافة بعد خلعه مرّتين ، ولم يقع ذلك لأحد فيما تقدّم إلا للمقتدر فقط.
ورأيت في تاريخ عالم حلب المحبّ أبي الوليد بن الشّحنة أنّه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، أرسل أبو يزيد بن عثمان إلى الخليفة المتوكّل بهدايا وتحف في طلب تشريف منه بأن يكون سلطان الروم ؛ فجهّز له ذلك.
وذكر الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر ، أنّ مولد المتوكل هذا في سنة نيّف وأربعين وسبعمائة (٣) ، وأنّه لمّا تسلطن برقوق المرّة الأولى حسّن له جماعة من أهل الدولة وغيرهم طلب الملك ؛ فكاتب الأمراء والعربان مصرا وشاما وعراقا ، وبثّ الدعاة في الآفاق. فبلغ ذلك برقوقا ، فخلعه وسجنه ، فخرج يلبغا الناصريّ على برقوق بسبب ذلك ، فأفرج عنه برقوق ، وأعاده إلى الخلافة ، وفرح الناس به فرحا كثيرا. فلمّا انتصر الناصريّ ، وزالت دولة برقوق قال الناصريّ للخليفة بمحضر من الأمراء : يا مولانا أمير المؤمنين ما ضربت بسيفي هذا إلّا في نصرتك ؛ وبالغ في تعظيمه وتبجيله ، فتبرّم المتوكّل من الدخول في الملك ، وأشار بإعادة حاجي بن شعبان.
__________________
(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٤٤٠ : نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام. توفيت في رمضان سنة ٢٠٨ ه ودفنت في منزلها ، وهو الموضع الذي به قبرها الآن (مشهد نفيسة).
(٢) في شذرات الذهب : ٧ / ٧٨ : شعبان.
(٣) في شذرات الذهب : ٧ / ٧٨ : ستّ وأربعين وسبعمائة ٢٠ : شيخ المحمودي. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤١].