وكان المتوكّل عهد بالخلافة لولده أحمد ، ولقّبه المعتمد على الله ، ثمّ خلعه وعهد إلى ابنه أبي الفضل العباسي ؛ فاستقرّ في الخلافة بعده ، ولقّب المستعين بالله ، فأقام إلى أن خرج شيخ (١) على الناصر (٢) فرج ، وظفر به ، وذلك في المحرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فأشهد على الخليفة بخلع الناصر من الملك ، لما ثبت عليه من الكفريّات والانحلال والزندقة ، وحكم ناصر الدين بن العديم بسفك دمه.
واتّفق رأي الأمراء على سلطنة الخليفة واستقلاله بالأمر ، فلم يوافقهم الخليفة إلا بعد شدّة وتوثّق منهم بالأيمان ، فبايعه (٣) الأمراء كلّهم ، وحلفوا له على الوفاء ، ولم يغيّر لقبه ، وجلس على كرسيّ الملك ، وقام الكلّ بين يديه ؛ وذلك بالشام ، وقرّر بكتمر جلّق في نيابة الشام وقرقماس في نيابة حلب وسودون الجلب في نيابة طرابلس ، وشيخ ونوروز في ركابه ، يدبّران الأمر ، ونادى منادي الخليفة : إلا إنّ فرج بن برقوق قد خلع من السلطنة ، ومن حضر إلى أمير المؤمنين وابن عم سيّد المرسلين فهو آمن ، فتسلّل الناس من الناصر. وكتب المستعين إلى القاهرة باجتماع الكلمة له. وعزل الجلال البلقينيّ عن قضاة الشافعيّة ، وولّى بدله شهاب الدين الباعونيّ ، فحقدها عليه البلقينيّ ، حتّى فعل معه بعد ذلك ما فعل.
ثمّ أرسل المستعين كتابا ثانيا إلى من بالقاهرة من الأعيان ، فأرسل إلى الجامع الطولونيّ ، فقرأه خطيبه ابن النّقاش على المنبر ، ثمّ أرسل إلى الجامع الأزهر ، فقرأه خطيبه الحافظ ابن حجر على المنبر ، ثمّ فرّ الناصر إلى حلب ، فقام ناس على الأسواق ، فنادوا : نصر الله أمير المؤمنين ، فلمّا سمع الرّماة ذلك تخوّفوا على أنفسهم ولم يغيثوه ، ثمّ قبض على الناصر وقتل بحكم ابن العديم.
ثمّ إن المستعين صرف بكتمر جلّق عن نيابة الشام وقرّر فيها نوروز ، وقرّر بكتمر أميرا كبيرا بالقاهرة ، وصدرت الكتب من المستعين إلى أمراء التركمان والعربان والعشير. ومفتتحها : من عبد الله ووليّه الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين وابن عمّ سيّد المرسلين المفترضة طاعته على الخلق أجمعين ، أعزّ الله ببقائه
__________________
(١) السلطان الملك الناصر زين الدين أبو السعادات فرج ، تسلطن سنة ٨٠١ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤١].
(٢) شيخ المحمودي. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤١].
(٣) بايعوه يوم السبت خامس عشري المحرم سنة ٨١٥ ه.