والقضاة ، وأوجد نظام الحسبة ، وأنشأ الجيش النظامي وأوجد السجن ، وغير ذلك من التنظيمات الّتي تتطلبها أيّة دولة عصريّة.
وكانت لعمر طرقه الخاصّة في اختيار (العمّال) فكان لا يعيّن أميرا إلّا بعد اختيارات واسعة ، سريّة وعلنيّة ، وبعد أن يسأل عنه ويتأكد من كفاءته وصلاحيته ، وكان يحاسب (العمّال) أو يحصي أموالهم قبل أن يعيّنهم ، وعند عودتهم يحاسبهم عن الأموال الزائدة (عمّا كانت عليه سابقا) ، فإن وجد فيها زيادة أخذها منهم.
وكان عمر يشترط أيضا في (الوالي) توافر الشروط الإنسانيّة ، كالعطف والرحمة ، فقد عزل أحد (الولاة) لأنّه لم يرحم أولاده (١). كما كان عمر : يبعث العيون والرقباء على (العمّال) ليخبروه عن تصرفات (الولاة) ويقبل كلّ شكاية تصل إليه عن الولاة مهما كان مركزهم الاجتماعي ، وتكون تلك الشكاية سببا لعزل الوالي ، وكان دائما يقول ويكرّر : (من ظلمه عامله بمظلمة ، فلا إذن له عليّ ، إلّا أن يرفعها اليّ حتّى أقصّه منه) (٢).
كما أنّه كان لا يتقبّل أيّ شيء يقدّمه (الوالي) إليه ولو كان على سبيل الهديّة ، فقد دخل داره ذات مرّة ، فوجد فيها (سجّادة صغيرة) فسأل زوجته (عاتكة) (٣) (من أين لك هذه السجّادة؟). قالت : أهداها لنا أبو موسى الأشعري. فأوعز عمر بإحضار الأشعري ، وجيء به في الحال ، فقال له عمر : (ما يحملك على أن تهدي إلينا ، خذها فلا حاجة لنا فيها) (٤) ، ثمّ ضرب رأس الأشعري بها.
__________________
(١) نوّاف كنعان ـ القيادة الإدارية. ص ٧٢.
(٢) المصدر السابق ص ٣٣.
(٣) عاتكة : بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
(٤) خالد محمّد خالد ـ بين يدي عمر. ص ٩٢.