وهذا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام كتب إلى عمّاله على الخراج يقول : (... فانصفوا الناس من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم ، فإنّكم خزّان الرعيّة ، ووكلاء الأمّة ، وسفراء الأئمّة ، ولا تحمسوا (١) أحدا عن حاجته ، ولا تحبسوه عن طلبته ، ولا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف ، ولا دابّة يعتملون (٢) عليها ، ولا عبدا ، ولا تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم ، ولا تمسنّ مال أحد من الناس مصلّ ولا معاهد ، إلّا أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه) (٣).
وهذا كتاب آخر للإمام عليّ عليهالسلام كتبه للأشتر النخعي ، عند ما ولّاه مصر ، ويعتبر من محاسن الكتب ، نقتبس منه ما يلي :
(بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين (مالك بن الأشتر) في عهده إليه ، حين ولّاه مصر ، جباية خراجها وجهاد عدوها ، واستصلاح أهلها ، وعمارة أرضها ...
(... ثمّ اعلم يا مالك ، أنّي وجهتك إلى بلاد ، قد جرت عليها دول قبلك ، من عدل وجور ، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنتظر فيه الولاة قبلك ، ويقولون فيك ، ما كنت تقوله فيهم ، وإنّما يستدل على الصالحين بما يجزي الله على ألسن عباده ، فليكن أحبّ الذخائر اليك ، ذخيرة العمل الصالح ، فاملك هواك ، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك ، فإنّ الشحّ بالنفس الاتّصاف منها ، فيما أحبّت أو كرهت ، واشعر قلبك بالرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللّطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا ، تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان / إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ، يفرط منهم في الزلل ،
__________________
(١) لا تحمسوا : لا تقطعوا.
(٢) يعتملون عليها : أي لا تضطروا الناس أن يبيعوا لأجل دفع الخراج.
(٣) ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٧ / ١٩.