ابن مروان قد علم بأنّ أكثريّة أهل الكوفة وخاصّة زعماؤها قد ابتعدوا عن عبد الله ببن الزبير لأسباب كثيرة منها : بخله وعدم اعطائهم ما وعدهم به عند حرب المختار ، فكتب عبد الملك إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى مبايعته ويوعدهم بالأموال والمناصب والجاه اذا خذلوا مصعب بن الزبير عند مجيئه إلى العراق ، فاجابوه إلى ذلك وكان من جملتهم قطن الحارثي (١). وحينما وصلت جيوش عبد الملك إلى (مسكن) كاتب قادة مصعب بن الزبير وزعماء أهل الكوفة مؤكدا لهم بأنه لا زال عند وعده ـ إذا تخلّوا عن مصعب ـ فسوف يوليهم الإمارة ويزوجهم بأميرات أمويّة ، وكانت تلك الكتب تصل إلى إبراهيم بن مالك الأشتر ، وعند ما تلاقى الجيشان جاء إبراهيم بن الأشتر إلى مصعب وأخبره بمضمون كتب عبد الملك إلى قادته ، وطلب منه أن يتخذ الإجراءات اللازمة بحقّهم ، ولكن مصعب لم يتخذ أي قرار بشأنهم ولو على سبيل الاحتياط. (٢)
وعند ما بدأت الحرب بين الطرفين ، قال مصعب بن الزبير لحجّار بن أبحر : (تقدّم يا أبا سعيد) قال : إلى هؤلاء الأنتان؟! فقال له مصعب : إنّ ما تتأخر إليه هو أنتن وقيل إنّه قال له : (إنّ عدم تقدمك هو أنتن). ثمّ قال مصعب للغضبان بن القبعثري : تقدّم يا أبا الشمّط. فقال ابن القبعثري : ما أرى هناك. ثمّ التفت مصعب إلى قطن بن عبد الله الحارثي وقال له : قدّم خيلك. فقال قطن بن عبد الله : (أكره أن تقتل مذحج في غير شيء). فقال مصعب : (أفّ لكم). ثمّ قاتل القوم بقوة وبسالة وشجاعة حتّى قتل. (٣)
وبعد ما قتل مصعب دخل عبد الملك بن مروان إلى الكوفة وأعطى
__________________
(١) قطن الحارثي : وكان على قبيلتي مذحج وأسد في جيش مصعب.
(٢) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٥٥٨. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٩ / ١٢٤.
(٣) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٥٥٨.