في شخص أحدّه إلّا حددته ، وما بعث إليّ في شخص أقتله ، إلا تركته ، فبينما انا ذات يوم ، إذ أرسل إليّ جيشا لأذهب به إلى اناس أقاتلهم ، فقلت : (ثكلتك أمّك يا عمير ، كيف بك؟) فلم أزل أكاتب الحجّاج ، حتّى بعث إليّ أن أنصرف ، فقلت : (والله لا أجتمع انا وأنت في بلد أبدا). فجئت وتركته (١).
وقال عمير بن هاني : أرسلني عبد الملك بن مروان ، إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وذلك عند ما حاصر الحجّاج عبد الله بن الزبير ، وقد نصب الحجّاج على البيت (٢) اربعين منجنيقا (٣).
ورأيت عبد الله بن عمر بن الخطاب يصلّي مع الحجّاج إذا اقيمت الصلاة ، واذا حضر عبد الله بن الزبير إلى المسجد الحرام صلّى معه ، فقلت له : يا أبا عبد الرحمن : أتصلي مع هؤلاء ، وهذه أعمالهم؟!. فقال لي : (يا أخا الشام ، صلي معهم ما صلّوا ، ولا تطع مخلوقا في معصية الخالق (٤). فقلت له : (وما قولك في أهل مكّة (٥))؟. فقال : ما أنا لهم بعاذر. فقلت له : وماذا تقول في أهل الشام؟. ما أنا لهم بحامد ، كلاهما يقتتلون على الدنيا ، يتهافتون في النار ، تهافت الذّباب في المرق.
فقال عمير : فما قولك في هذه البيعة ، الّتي أخذها علينا ابن مروان؟.
فقال عبد الله بن عمر : إنّا كنّا نبايع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على السمع والطاعة ، وكان يلقننا : (فيما استطعتم).
قتل بن عمير بن هاني صبرا سنة (١٢٧) (٦) للهجرة في (داريا) أيّام
__________________
(١) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٥ / ٤٢٢ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٦.
(٢) البيت : بيت الله الحرام (الكعبة).
(٣) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٦.
(٤) المصدر السابق.
(٥) نفس المصدر السابق.
(٦) ابو العرب التميميّ ـ المحن ص ١٤٥ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ٨١ وابن كثير ـ البداية والنهاية ـ ج ١٠ / ٢٦ وابن العماد ـ الشذرات ج ١ / ١٧٣ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٦.