السبب فقال : لا أحبّ أن ادخل منزلا لا يصلّي فيه أهله الصلاة الخمس ، فادخلوا أنتم ، وإنّي أعطيكم عهد الله وميثاقه أن لا أترك مكاني هذا حتّى الصباح فتركوه ، ولمّا مضى من اللّيل بعضه ، وإذا بأسد ولبوة (١) ، قد توجها نحو سعيد بن جبير فقربا منه وهما يزئران ، ثمّ بعد ذلك ابتعدا عنه قليلا ، ثمّ ربضا على الأرض فصاح الراهب : أنظروا يا قوم إلى صاحبكم!! أنظروا إلى سعيد بن جبير قائما يصلّي والأسد واللبوة رابضان بالقرب منه ، فتعجبوا من ذلك وقال بعضهم لبعض : بأيّ وجه نلقى الله غدا إذا ذهبنا بهذا الرجل إلى الحجّاج وقد يقتله؟ ولمّا أصبح الصباح خرج الراهب من صومعته وأسلم على يد سعيد بن جبير ، ثمّ جاءت جماعة الحجّاج وقالوا لسعيد : أيّها الرجل الصالح ، إنّ الحجّاج أخذ علينا الأيمان المغلظة أن نأتيه بك إذا وجدناك فأمرنا بالذي ترغب وتشاء ، فقال سعيد : إذا كنتم قد حلفتم ، وأعطيتم المواثيق ، فلا بدّ من الذهاب إلى الحجّاج. ولمّا وصلوا إلى (واسط) حيث كان الحجّاج هناك ، دخل عليه إسماعيل بن الأوسط (٢) ، وأخبره بأنّ سعيد بن جبير على الباب ، ثمّ حدثه بما رآى فغضب الحجّاج وقال لإسماعيل : أخرج وآتني به ، فلمّا دخل سعيد بن جبير على الحجّاج قال له الحجّاج : (لا مرحبا بك يا رأس النفاق). (٣) فقال سعيد : المنافق من كان من شيعة المنافقين ، فقال الحجّاج : صدقت يا شقي. قال : بل أنا سعيد بن جبير!! قال الحجّاج : بل أنت شقي ابن كسير. قال سعيد : كانت أمّي أعرف بي منك. قال الحجّاج : لقد شقيت أمّك حين ولدتك. قال سعيد : (العلم يعلمه غيرك). ثمّ وبعد محاورة طويلة بين الحجّاج وسعيد بن جبير ، قال الحجّاج : اضربوا عنقه.
__________________
(١) اللبوة : أنثى الأسد.
(٢) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٧ / ٣٢٢.
(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٦١.