مال الكوفة ، فحبسه الحكم بن الصلت ، وقد جاء الكميت إلى الكوفة فمدح الحكم بن الصلت بقصيدته (١) الّتي أولها :
طربت وهاجك الشوق الحثيث
ولمّا فرغ من إلقائها ، أمر له الحكم بجائزة ، وفي تلك الأثناء جيء بإبان ابن الوليد وهو مقيّد بالحديد ، فطالبه الحكم بالأموال ، فنظر الكميت إلى إبان ، وهو على تلك الحال ، فدمعت عيناه ، وقال للحكم : أصلح الله الأمير ، إجعل جائزتي لإبان ، واحتسبها من المبلغ ، فقال له إبان : يا أبا المستهل (٢) : (ما حلّ عليّ شي بعد). فقال الكميت للحكم : أبي تسخر؟ أصلح الله الأمير!!.
فقال الحكم : (كذب ، قد حلّ عليه المال ، ولو لم يحلّ لأحتسبنا له مما يحلّ) (٣). فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان خليفة الحكم) : أصلح الله الامير ، أتشفّع حمار بني أسد ، في عبد بجيلة؟! فقال له الكميت : (لئن قلت ذاك ، فو الله ، ما فررنا عن آبائنا حين قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا). (٤) فسكت حوشب خجلا ، فقال له الحكم : (ما كان تعرّضك للسان الكميت). (٥)
وكان الحكم بن الصلت قد استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة البصرة سنة (٧٥) للهجرة ، وأمره أن يضيّق على خالد بن عبد الله بن أسيد بن أميّه ، ولمّا علم خالد بذلك هرب من البصرة قبل أن يدخلها
__________________
(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ـ ج ١٧ / ٣٨.
(٢) ابو المستهل : كنية الكميت ، والمستهل ابنه.
(٣) ابو الفرج الاصبهاني ـ الاغاني ـ ج ١٧ / ٣٩.
(٤) كان حوشب قد فرّ عن أبيه في بعض الحروب فقتل أبوه ، ونجا هو ، ويقال أيضا إنه وطيء جارية لأبيه بعد وفاته.
(٥) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٩.