ثمّ إنّ أبا العبّاس السفّاح بنى مدينة له سماّها مدينة (الهاشميّة) مقابل مدينة ابن هبيرة وانتقل اليها من (الحيرة) إلّا أنّه لم يستقم بها طويلا ، وذلك لأنّ الناس اخذت تسميها مدينة ابن هبيرة ، مما دعاه إلى تركها ، وبناء مدينة أخرى في الأنبار ، وسماّها أيضا الهاشميّة وعرفت أيضا برصافة أبي العبّاس وذلك سنة ١٣٤ ه فانتقل اليها (١).
وعند ما بنى أبو العبّاس هذه المدينة ، دخلها مع أخيه أبو جعفر المنصور ، وكان معهما عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، فكان أبو العبّاس يريهما المدينة ، وما شيّد فيها من القصور والمصانع ، فعندها تمثّل عبد الله بن الحسن بهذه الابيات (٢) :
ألم تر حوشبا قد صار يبني |
|
قصورا نفعها لبني نفيله |
يؤمل أن يعمر عمر نوح |
|
وأمر الله يحدث كلّ ليله |
فتألم أبو العبّاس السفّاح عند سماعه هذه الابيات ، فقال أبو جعفر المنصور لعبد الله بن الحسن : (أتراهما إبنيك ، أبا محمّد ، والأمر ، صائر اليهما لا محالة)؟. فقال عبد الله : (لا والله ، ما ذهبت هذا المبلغ ، ولا أردته ، ولا كانت إلّا كلمة جرت على لساني ، لم الق لها بالا) (٣) ، فتركت تلك الكلمة أثرا سيّئا عند السفّاح.
ويحكى : أنّ أبا العبّاس السفّاح ، كتب إلى عبد الله بن الحسن ، عند ما تغيب ولداه محمّد (النفس الزكيّة) وابراهيم ، ولم يبايعاه فقال (٤) :
أريد حياته ويريد قتلي |
|
عذيرك من خليلك من مراد |
__________________
(١) ابن الأثير ـ الكامل ـ ج ٥ / ٤٥٤.
(٢) أبو الفرج الاصبهاني ـ الاغاني ـ ج ٢١ / ١٢٠.
(٣) الاغاني ج ٢١ / ١٢٠. وتاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٩٧.
(٤) الاغاني ج ٢١ / ١٢٠. واليعقوبي. ج ٣ / ٩٧.