فقال له المخنث : نعم والله ، أيّها الأمير ، فأنت الّذي كنت غدا فصرت بعد غد. فخجل عيسى وأخرج المخنث (١).
وفي سنة (١٤٥) للهجرة ، ثار بالمدينة محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب المعروف (بالنفس الزكيّة) ، فقال أبو جعفر المنصور لعيسى بن موسى : إنّ محمّدا قد ثار بالمدينة ، فاذهب إليه ، فقال له عيسى : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء عمومتك حولك فادعهم وشاورهم في الأمر ، فتمثل المنصور بقول ابن هرمة حيث يقول : (٢)
ترون أمرا لا يمحض القوم سرّه |
|
ولا ينتجي الأذنين فيما يحاول |
إذا ما أتى شيئا مضى كالذي أبى |
|
وإن قال إنّي فاعل فهو فاعل |
ثمّ قال المنصور : يا هذا ، إن محمّدا لا يطلب غيري وغيرك ، فإمّا أن أذهب أنا أو أن تذهب أنت إليه ، فقال عيسى : بل أفديك بنفسي يا أمير المؤمنين. فذهب عيسى إلى المدينة ، ومعه أربعة آلاف فارس ، وألفي راجل ، ثمّ تبعه محمّد بن قحطبة بجيش كبير ، وعند ما ذهب عيسى قال المنصور : (لا أبالي أيّهما قتل صاحبه) (٣) ، ثمّ دارت معركة بين الجانبين ، قتل خلالها خلق كثير من الطرفين (٤).
ولمّا رآى أصحاب محمّد (النفس الزكيّة) كثرة قتلاهم ، تفرقوا عنه ، وبقي يقاتل لوحده بكلّ شجاعة وبسالة حتّى قتل (٥) ، فقطعوا رأسه ، وأرسلوه إلى عيسى بن موسى ، ثمّ أرسل الرأس إلى أبي جعفر المنصور
__________________
(١) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ١٧٧.
(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٤٤.
(٣) تاريخ الطبري ـ ج ٩ / ٢١٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٤٤.
(٤) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢١٦.
(٥) ولمّا سمع الإمام جعفر الصادق عليهالسلام بمقتل محمّد (النفس الزكيّة) قال : (ما يدعو عيسى إلى أن يسيء بنا ، ويقطع أرحامنا ، فو الله لا يذوق هو ولا ولده منها شيئا أبدا).