فأعطاه المهدي عشرين ألف درهم ، ولمّا سمع المنصور بذلك ، كتب إلى ابنه (المهدي) يؤنّبه ويقول له : كان عليك أن تأمر للشاعر بأربعة آلاف درهم ، بعد أن يبقى على بابك سنة كاملة.
ثمّ أمر المنصور بإحضار (المؤمل) إلى بغداد ، ولمّا أدخل عليه قال له المنصور : (رأيت غلاما غرا فخدعته) أنشدني ما ذا قلت له؟ فقرأ (المؤمل) القصيدة بكاملها ، وكان مطلعها :
هو المهدي إلّا أنّ فيه |
|
مشابه صورة القمر المنير |
فقال المنصور : أحسنت ، ولكن قصيدتك لا تساوي عشرين ألف درهم ، فاسترجع منه المال وأعطاه أربعة آلاف درهم فقط ، ولمّا مات المنصور ، وجاء بعده ابنه المهدي ، ذهب (المؤمل) إليه وذكّره بالقصة ، فضحك المهدي وأمر له برد المبلغ (١).
وخطب أبو العبّاس السفّاح ذات يوم فتلعثم في كلامه ، فاعتذر وقال : (أيّها الناس ، إنّما اللسان بضعة من الإنسان ، يكلّ إذا كلّ ، وينفسح بانفساحه إذا انفسح ، ونحن أمراء الكلام ، منّا تفرّعت فروعه ، وعلينا تهدّلت غصونه ، إلّا وإنّا لا نتكلّم هذرا ، ولا نسكت إلّا معتبرين) (٢) ، ولمّا سمع المنصور بذلك قال : (لله هو ، لو خطب بمثل ما اعتذر ، لكان من أخطب الناس).
وجيء إلى المنصور ذات يوم بأحد كبار بني أميّة ، فقال له المنصور : إنّي أسألك عن أشياء فأصدقني ولك الأمان).
فقال المنصور : كيف جاء بنو أميّة إلى الحكم ، وكيف انتهى أمرهم؟
قال الأموي : من تضييع الأخبار. فقال المنصور : فأيّ الأموال وجدوا أنفع؟
قال الأموي : الجوهر. فقال المنصور : وعند من وجدوا الوفاء؟ قال الأموي :
__________________
(١) الشريف المرتضى ـ غرر الفوائد. ج ١ / ١٠٠.
(٢) المصدر السابق. ج ١ / ١٠٣.