ذكرت آنفا.
وعند ما طلب الأمين من أخيه المأمون التنازل عن الخلافة لأبنه (موسى) كان من ضمن الذين أرسلهم ، هو العبّاس بن موسى ، ولمّا دخل العبّاس على المأمون قال له : (أيّها الأمير ، إن أخاك قد تحمّل في الخلافة ثقلا عظيما ، ومن النظر في أمور الناس عبئا جليلا ، وقد صدقت نيته في الخير ، فأعوزه الوزراء والأعيان ، والكفاة في العدل ، وقليل ما يأنس بأهل بيته ، وأنت أخوه ، وقد فزع إليك في أموره ، وأمّلك للمؤازرة ، ولسنا نستبطئك في برّه ، اتهامك لنصرك له ، ولا نحضك على طاعته ، تخوفك لخلافك عليه ، وفي قدومك عليه ، أنس عظيم ، وصلاح لدولته وسلطانه ، فأجب أيّها الأمير دعوة أخيك وآثر طاعته وأعنه على ما استعانك عليه في أمره ، فإنّه في ذلك قضاء الحقّ ، وصلة الرحم ، وصلاح الدولة ، وعزّ الخلافة عزم الله للأمير على الرشد في أموره ، وجعل له الخيرة والصلاح في عواقب رأيه (١). فكتب المأمون إلى أخيه ، يسأله أن يعفيه من المجيء إليه ، وأن يقرّه على عمله إذ يرى ذلك أعظم غناء على المسلمين (٢).
وقيل إنّ المأمون رفض التنازل عن الخلافة ، فقال له العبّاس بن موسى : (وما عليك أيّها الأمير من ذلك ، فهذا جدّي عيسى بن موسى قد خلع فما ضرّه ذلك). فأجابه الفضل بن سهل (وكان جالسا عند المأمون) : (أسكت فإنّ جدّك كان أسيرا في أيديهم ، وهذا بين أخواله وشيعته) (٣). ثمّ ذهب الفضل بن سهل بعد ذلك إلى العبّاس بن موسى ، وقال له : (لك عندي إمارة الموسم ، وأنت تعلم بأنّ إمارة الموسم ، لا إمارة أشرف منها ، ولك ما
__________________
(١) أحمد زكي صفوت ـ جمهرة خطب العرب. ج ٣ / ١٠١.
(٢) المصدر السابق. ج ٣ / ١٠٤.
(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٣٧٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢٣٠.